يدع بار يعرف سنه على التحقيق، وكلن ولاة الأمور في أبرشيته دونوا تاريخ ميلاده في ١٤٨٣، وادعى أنه التحق بالجيش في ١٥٠٠، وتذكر تفاصيل حل الأديار في عهد هنري الثامن. (١٥٣٦)، فقال له الملك شارل الأول "لقد عمرت أطول من أي أناس آخرين، فماذا فعلت أكثر مما فعلوا هم؟ " فأجاب بار، بأنه كان عمره فوق المائة حين ضاجع فتاة فحملت، وأنه كفر عن خطيئته بأشد كفارة. وكان بار قد عاش، تماماً تقريباً، على البطاطس والخضر والخبز الجاف واللبن المخيض، ونادراً ما ذاق اللحم. ولفترة من القوت أصبح بار مشهوراً في ردهات لندن وحاناتها، وكانوا يقدمون له فيها ما لذ وطاب، حتى أنه مات في بحر عام من لقائه مع الملك. وفحص سير وليم هارفي جثته بعد وفاته فوجد أنه غير مصاب بتصلب الشرايين. وشخص موته بأنه نتيجة لتغيير الهواء والغذاء (١٥).
إن هارفي هو الذي هيأ لهذا العصر ذروة المجد العلمي بشرحه للدورة الدموية، وهو "أجل حدث في تاريخ الطب منذ عهد جالينوس (١٦) ". ولد في فولكستون (١٥٧٨)، ودرس في كمبردج ثم في بادوا على فابريزيو دكو ابندانت، فلما عاد أقام في لندن ومارس الكب فيها، وأصبح الطبيب الخاص لجيمس الأول ثم شارل الأول، وعكف صابراً مثابراً، سنين طوالاً، على إجراء التجارب والتشريح، على الحيوانات والجثث، ودرس، تدفق الدم ومجراه في الجروح. ووصل إلى نظريته الأساسية في ١٦١٥ (١٧). ولكنه نشرها، متأخراً، في فرانكفورت ١٦٢٨، على أنها "تجارب متواضعة في تشريح الجثث ودماء الحيوان". وهي أول وأعظم أثر في الطب في إنجلترا.
وإن الخطوات التي تدرج فيها الكشف الذي توصل إليه هارفي لتوضيح عالمية العلم. فإن وظائف القلب والدم، ظلت لأكثر من ألف عام، تفسر كما فسرها جالينوس في القرن الثاني الميلادي. وكان جالينوس قد افترض أن الدم يتدفق إلى الأنسجة من الكبد والقلب سواء بسواء، وأن الهواء يمر من الرئتين إلى القلب، وأن الشرايين والأوردة بها مجريان للدم، يدفعهما ويستقبلهما القلب، وفي حركة مد وجزر، وأن الدم يجري من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر من القلب عبر