حكم هنري السابع"، سجل به مستوى جديداً لكتابة التاريخ، فهو تفسير واضح صريح، في نثر رشيق قوي، للقضايا والسياسات والأحداث، وصورة وصفية أدبية منصفة نزيهة أخاذة بعيد عن المثالية، حقيقية إلى حد بعيد (٧١). وأعقب هذا مجموعة من الرسائل: "دراسة في الرياح" "دراسة في الكثافة والتخلخل". "دراسة في الحياة والموت"، وأبحاث أخرى، لقد تهيأ له الآن من الفراغ ما لم يكن يتوقعه، فليس ثمة أهل ولا أصدقاء، فان كل طلاب المنافع الذين كانوا يزدحمون على بابه أيام نفوذه وسلطانه، تمسحوا الآن بأعتاب أخرى. وسأل مرة أحد من يتبادل معهم الرسائل: "من معك من الزملاء في عملك؟ فأجاب إنني الآن في وحدة تامة (٧١) ".
وفيما كان يحاول أن يختبركم من الوقت يمكن أن يحفظ الجليد اللحم من التعفن والفساد، قطع الرحلة ذات يوم من أيام الربيع ليشتري دجاجة، وذبحها وحفظها في الجليد، فوجد أنه أصيب بقشعريرة. فلجأ إلى دار لورد أروندل Arundel المجاورة، حيث وضعوه في الفراش، وظن أنه سقم عارض لا يلبث أن يزول، وكتب أن التجربة "نجحت نجاحاً تاماً"، إنه حفظ الدجاجة، ولكنه فقد حياته. فقد قضت عليه الحمى، وخنقه البلغم في ٩ أبريل ١٦٢٦. ومات في سن الخامسة والستين. وانطفأت الشمعة المتوهجة فجأة.
لم يكن بيكون، كما ظن بوب "أحكم وأذكى وأحط بني الإنسان (٧٢) ". فان مونتاني كان أحكم، وفولتير أذكى، وهنري الثامن أحط، وقال أعداء بيكون عنه أنه كان عطوفاً نافعاً، يبادر إلى الصفح والمغفرة. وكان أنانياً إلى حد الخنوع والاستسلام، ومزهواً إلى حد إغضاب الآلهة. ولكننا نشاركه هذه الأخطاء إلى حد نغتفر معه طبيعته البشرية من أجل الأضواء التي نشرها. إن غروره كان القوة الدافعة فيه. وإذا كنا نرى أنفسنا كما يرانا غيرنا لشلت حركتنا وتوقفنا عن العمل.
ولم يكن بيكون من رجال العلم أو الأفراد العلميين، ولكنه كان فيلسوف علم. وكان مدى الملاحظة عنده هائلاً، ولكن مجال تأمله وتفكيره كان فسيحاً إلى