للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجاعة (٤). وأخذ هذا الاقتصاد المتضخم في الهبوط فجأة (١٦٢٩، ١٦٣٢، ١٦٣٨)؛ وتضافرت كل هذه العوامل مع الصراع الديني في أن تدفع بكثير من الأسرات الإنجليزية إلى أمريكا، وتوقع إنجلترا في حرب أهلية غيرت وجه الأمة ومصائرها.

وكذلك أصبحت حرب الطبقات صراعاً بين المذاهب الدينية والقوانين الأخلاقية. وكان الشمال زراعياً بأغلبية ساحقة، وكاثوليكياً في معظمه ولو في الخفاء. أما لندن والجنوب فكانت تنمو فيها الصناعة والبروتستانتية بشكل متزايد. وعلى حين تعلقت قلوب رجال الأعمال الجديدة باحتكاراتها وبتعريفة الحماية الجمركية. فإنها في نفس الوقت طالبت باقتصاد حر تتحدد فيه الأجور على قدر العمل والسلع، وحيث لا تكون ثمة سيطرة إقطاعية ولا حكومية على الإنتاج والتوزيع والربح والملكية، وحيث لا توصم بوصمة عار، الأعمال التجارية، وال تقاضى الفوائد على الأموال، ولا المضاربة بالثروة. وتمسك البارونات وفلاحوهم بمفهوم الإقطاع عن الالتزام المتبادل والمسئولية الجماعية، وتنظيم الدولة للأجور والأسعار، وضوابط العرف والقانون لشروط الاستخدام والربح. واحتج البارونات بأن الاقتصاد التجاري (المركنتلي (١)) الجديد، الذي ينتج لسوق وطنية أو دولية، كان يمزق العلاقات بين الطبقات ويقوض الاستقرار الاجتماعي. وأحسوا (كما أحس صغار ملاك الأراضي والحكومة) أن قدرتهم على الوفاء بديونهم والتزاماتهم مهددة بخطر آثار التضخم على قيمة الرسوم والإيجارات والضرائب التي اعتمدوا عليها. ونظروا في ازدراء غاضب إلى المحامين الذين أسهموا بشكل واضح في الإدارة، وإلى التجار الذين حكموا المدن، وأوجسوا خفية من سلطان لندن التي سادتها الروح التجارية (المركنتلية)، والتي كان عدد سكانها يبلغ نحو ٣٠٠ ألف نسمة، من مجموع سكان إنجلترا البالغ خمسة ملايين، ومن ثم كانت تستطيع تمويل جيش وثورة.


(١) Mercantile، نظام اقتصادي نشأ في أوربا خلال تفسخ الإقطاعية لتعزيز ثروة البلاد عن طريق التنظيم الحكومي للاقتصاد وانتهاج سياسة تهدف إلى تطوير الزراعة والصناعة، وإنشاء الاحتكارات التجارية الخارجية.