للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آراء كثيرة، اعتنق واحداً منها أحد الأمراء، ودمغت

سائر الآراء بأنها هرطقات. ولا يمكن أن يكون رجل

ما أعقل الناس من اجل علمه ومعرفته، فقد يهيئ هذا

موضوعاً للمناقشة ولكن الذكاء والحكمة تولدان مع الإنسان ....

إن العقلاء لا يتفوهون بشيء في أوقات الخطر.

إن الأسد دعا الشاة ليسألها إذا كانت ثمة رائحة تخرج من

فمه، فلما أجابت بالإيجاب عضها فأطاح برأسها لأنها غبية

حمقاء. فدعا الذئب وأعاد عليه نفس السؤال فأجاب بالنفي،

فمزقه الأسد إرباً لأنه متملق. وأخيراً نادى على الثعلب

وكرر السؤال، فتعجب إنه مصاب بالبرد ولا يستطيع

أن يشم (٣٣).

وكان توماس براون "ثعلباً". إنه ولد في لندن ١٦٠٥ وتلقى علومه في مدرسة ونشستر، ومونبيلييه وبادوا وليدن، واستزاد من العلوم والفنون والتاريخ كلما وجد إلى ذلك سبيلا، ثم انصرف إلى الاشتغال بالطب في نوروك. وهذب من "تحليلاته للبول" بتدوين ملاحظاته وأفكاره "عن كل هذه الأشياء، وعن قليل غيرها " On All Things and a Few Others وأخفى بلباقة نظريته في الدين في كتابه "الطب الديني" (١٦٤٢)، وهو يمثل مرحلة في تاريخ النثر الإنجليزي. وإنك لتجد في شخصه "مونتاني بريطاني"، فهو مثله في طرافته وخياله، وفي تذبذبه وتعدد جوانبه، وربما اقتبس عنه فيما كتب عن الصداقة (٣٤)، وهبط بتشككه إلى الامتثال للكنيسة الإنجليزية مستسيغاً العقل ومعلناً إيمانه. وملأ براون كلامه بالإشارات والإشتقاقات التقليدية ولكنه أحب فن الألفاظ وموسيقاها، مستخدماً أسلوباً كأنه دواء "مضاد للبلى والفساد".

وكان بطبيعة دراسته وتعليمه نزاعاً إلى الشك. وفي أطول مؤلفاته وعنوانه "الأقوال الزائفة الشائعة" شرح وهذب مئات من "الآراء الفاسدة الشائعة" في