والكراسي والموائد والصناديق المنقوشة، والدواليب المطعمة بالصدف والعاج، والسلالم العريضة الفخمة التي بنيت لتعيش القرون الطويلة. هنا نعمت أو لجركية غيور، قوامها عدة مئات من الاسر، بكل ثراء أقطاب التجارة، وبكل المعايير الفنية المرهفة التي اتيحت للأرستقراطيات العريقة.
ولا يبرز في هذه الفترة بين مثالي البندقية غير مثال واحد هو اليساندرو فيتوريا، ولكن فن التصوير البندقي أنجب اثنين من مصوري المرتبة الثانية. فقد اورث بالمافيكيو (مات ١٥٢٨) فنه عبر الأجيال إلى حفيد لأخيه يدعى بالماجوفاني- أو ياكوبو بالما الأصغر- الذي مات بعد موت جده بمائة عام تماما. والرأي في فن جوفاني- إنه "منحط" لأن الرجل كان يرسم في عجلة يشوبها الإهمال، ولكن بعض صوره، كصورة "البابا اناكليتوس" في كنيسة الصلب، تدنو من العظمة، وفي هذه السطور التي خلفها مولمنتي يقفز هذا الفنان الأصغر المهمل إلى الحياة.
"لم يكن لبالما جوفاني من هدف … سوى فنه، الذي عجز اشد الأحزان عن أن يصرفه عنه. ففي فنه التمس العزاء عن موت ولديه، اللذين مات أحدهما في نابلي، قضى الآخر في حياة الفجور. وبيتما كانت زوجته تحمل إلى قبرها عكف على الرسم هروبا من الالم (١٢).
أما برناردو ستروتزي فقد حصر بين ساقيه قمة الحذاء السحري، إذ ولد في جنوه، ومات في البندقية (١٦٤٤)، وخلف صورا لكل قاعة مفن تقريبا بين البلدين. انفق بعض عمره راهبا كبوشيا، ثم خلع رداء الرهبة، ولكنه لم يستطع قط ان يخلع كنيته "الكبوشي". وبعد أن بذل محاولات كثيرة، وجد التسامح والتوفيق في البندقية، وفيها انتج أفضل أعماله. ويكفي أن نذكر مثلا منها "هو صورة أخ دومنيكي" (برجامو): فـ "البيريه" العالية تزين الجبين العريض، والعينان عابستان