مركزتان، والأنف والفم ناطقان بقوة الشخصية، واليد تنشئ بعراقة الأصل؛ أن تتسيانو نفسه لم يكن في وسعه أن يبدع خيرا من هذا الفن. ولو ظهر هذان الوريثان للعمالقة من السلف في أي وطن آخر لحسبا من العمالقة.
حـ- من بادوا إلى بولونيا
انحصر فخر بادوا بجملته الآن في جامعتها. ففيها درس هارفي في هذه الحقبة. وفيها علم جاليلو. وفي إمارة فيرارا لم يبد الفونسو الثاني (حكم ١٥٥٩ - ٩٧) تقاعسا أو فتورا في همة آل ايستي الذين حكموا الامارة منذ ١٢٠٨. وصورته التي يحتفظ المتحف البريطاني بنسخة منها غفل من التوقيع يطل منها رأس قوي. ولحية أمرة، وعينان تنبئان بعقل حازم مكتئب. كان في وسعه أن يكون قاسيا لا يرحم الذين يقاومونه، رفيقاً بغيرهم، صبوراً على غضبات تاسو، جريئاً في النزال، مشتطاً في فرض الضرائب. وقد واصل التقليد الذي جرت عليه أسرة ايستي في بسط رعايتها على الأدب والعلم والفن، وجمع ثمارها كلها في ثقافة بلاطه وبهائه ومرحه. أما الشعب فكان عليه ان يقنع بالكفاف- وان يستمد بثمار كده في شخص وكلائه. وقد اخفق الفونسو في أن يعقب ولدا برغم جبروته كله، وبرغم زواجه من ثلاث نساء عل التعاقب، وأصبحت فيرارا دويلة بابوية في ١٥٩٨ بمقتضى اتفاق كان قد أبرم في ١٥٣٦، بعد أن ظلت طويلاً أقطاعة بابوية- وهكذا انتهى تاريخها الثقافي.
أما بولونيا التي ضعت للحكم البابوي منذ ١٥٠٦ فقد اتيحت لها في هذا العصر ازدهار ثان في مدرسة للتصوير سادت ايطاليا مدى قرنين ومدت نفوذها إلى أسبانيا وفرنسا وفلاندرا وانجلترا. عاد لودوفيتشو كاراتشي، وهو ابن جزار غني، إلى بولونيا بعد أن درس الفن في البندقية وفلورنسة وبارما ومانتوا. وكان تنتوريتو قد حذره بأنه لم يوهب عبقرية التصوير، ولكنه أحس أن الاجتهاد يمكن أن يقوم مقام العبقرية،