استطاع ضرب من الفن الديني القاتم أن يحتفظ بالحياة برعاية المطارنة والحكام. ففي عام ١٦٠٨ انفقت الكنيسة مليونا من الفلورينات لتشيد في كاتدرائية سان جينارو كنيسة صغيرة تسمى "كابيللا ديل تيزورو" لتكون ضريحا لأنائين يحتويان الدم المتخثر الذي تخلف عن القديس يانواريوس حامي نابلي. وقيل للشعب انه لابد أن يسيل الدم ويجري مرتين في العام لكي تزدهر نابلي وتأمن عائلة فيزوف.
أما التصوير في نابلي فقد ظل يهيمن عليه حينا ثلاثي من الفنانين الغيورين- كورينتزيو، وكارلتشلو، وريبيرا- الذين عقدوا العزم على أن يكون كل التصوير في نابلي وقفا عليهم أو على أصحابهم. وقد بلغ من تهديداتهم لانيبالي كاراتشي أنه اكره على الفرار إلى روما، حيث ادركه الموت بعد قليل من جراء رحلته المحمومة التي أضطر إليها تحت شمس حامية (١٩). وحين حضر جيدو ريني لزخرفة "كنيسة الكنز" تلقى انذارا بأن يرحل عن نابلي أو يموت، فرحل من فوره تقريبا وهو لم يكد يبدأ مهمته. واركب اثنان من مساعديه بقيا بعد رحيله سفينة كبيرة لتشغيل العبيد وانقطع خيرهم بعدها. ثم حضر دومنيكينو، وأتم أربع صور جصية في الكنيسة على الرغم من أن الصور محيت غير مرة، وأخيرا فر من تهديدات ريبيرا، ثم عاد بعد أن تعهد الحاكم بحمايته، ولكنه مات بعد قليل، ربما سموماً (٢٠).
على أننا لا بد أن نشيد بذكر جوزي أو جوزيبي ريبيرا، برغم كل جرائمه، لأنه أعظم مصوري هذا العهد في إيطاليا. وتدعيه اسبانيا لنفسها استنادا إلى أنه ولد في زاتيفا قرب بلنسيه (١٥٨٨)، وقد درس حينها على فرانشيسكو دي ريبالتا، ولكنه قصد روما في بواكير شبابه. هناك عاش في فقر مدقع، ينسخ الصور الجصية ولا يجمع غير الفتات، حتى قيض الله له واحدا من هؤلاء الكرادلة عشاق الفن كان لا يزال يشعر بوحي النهضة، فاستضافه في قصره ويسير الغذاء والفراش والألوان