هذا الشعب الذي كان يتعزى عن شقائه الطويل بالتمسك بأهداب الدين وبالورع الخصب الخيال، ظل أفراده يقدسون مزاراتهم كما كانوا يفعلون من قبل، ويمشون خاشعين في المواكب الدينية، ويتجاذبون حديث المعجزات الجديدة، ويصعدون «السلم المقدس» على ركبهم في وجد صوفي أليم. لقد كشف قديسون كفليب نيري، وفرنسيس سيلز، وفانسان دبول، عن قدرة الكنيسة العريقة على أن تلهم أتباعها اعمق مشاعر التقوى والولاء، وهكذا نرى يسوعياً مثل الويسيوس جونزاجا يموت غير متجاوز الثالثة والعشرين وهو يخدم ضحايا الطاعون في روما (١٥٩١). لقد تقهقر الفساد والحرص اللذان ابتليت بهما الإدارة البابوية أمام هجمات المصلحين البروتستنت، وحض القديسين، والقدوة الملهمة التي أتاحها للناس أحبار كالقديس شارل بوروميو الميلاني. فنمت، ولو في شيء من التعثر، حركة الاصلاح الذاتي من بابا إلى آخر. ونفخ من جديد في الطوائف الدينية القديمة واستكثر من الطوائف الجديدة-الأوراتوريون (١٥٦٤)، ومنذورو القديس أمبروز (١٥٧٨)، وصغار الكهنة النظاميون (١٥٨٨)، والعازريون (١٦٢٤)، واخوات البر (١٦٣٣)، وكثير غير هؤلاء. وأنشئت الكليات اللاهوتية في أرجاء العالم المسيحي لإعداد طبقة متعلمة من اكليروس غير منسب إلى رهبنة. وانطلق المبعوثون الكاثوليك إلى كل بد غير مسيحي، يقابلون المكاره الأخطار، ويعنون بالمرضى، ويعملون الصغار، ويبشرون بالدين. أما اليسوعيون المدهشون، الذين لا تقل لهم عزيمة، فقد تحركوا في كل مكان، يصارعون البروتستنتية في ألمانيا، ويدبرون المؤامرات السياسية في فرنسا، ويموتون في سيبل عقيدتهم في إنجلترا، ويحملون الإيمان إلى «الوثنيين» في قارات الدنيا الخمس.