القانون برغم ما ألفوا من عادات تقدست كثيراً بحكم القدم، وأما الشعب الذي فرض عليه اقصى ما يمكن فرضه من ضرائب وأدب ليلزم سلاماً لم يألفه، فقد حاول تحطيم التمثال الذي أقيم لسيكستوس في الكابيتول، ولكن بعد أن فقد الضربات التي كلها لذعتها، استطاع الخلف أن يوازنوا بين انجازاته وبين قسوته وكبريائه وولعه بالسلطة. وفي رأي «ليكي» المؤرخ العقلاني أنه «وإن لم يكن أعظم الرجال اللذين ولوا عرش البابوية، فهو إلى حد كبير أعظم رجل دولة بين البابوات (٣٥)».
ومن خلفائه في هذه الحقبة تفرد بالذكر رجلان. أما اولهما وهو كلمنت الثامن (١٥٩٢ - ١٦٠٥) فكان أقرب ما يكون إلى روح المسيحية. يقول صلى الهيجونوتي «كان بين جميع البابوات اللذين تربعوا منذ تلك الوداعة وذلك الحنو اللذين أوصي بهما الإنجيل (٣٦)» بيد أنه رفض الرأفة على بياتريشي تشنشي (١٥٩٩)، واذن لمحكمة التفتيش بحرق جوردانو برونو (١٦٠٠). وأما الثاني فهو اوربان الثامن (١٦٢٣ - ٤٤)، الذي قدم المعونة أول الأمر لاسبانيا والنمسا في حرب الثلاثين سنة، ولكنه خشي أن تطوقاه حين حاولنا ابتلاع مانتوا، فاتحه بمناوراته الدبلوماسية إلى التعاون مع رشليو في استخدام جيوش جوستاف أدولف البروتستنتية لإضعاف قوة الهابسبورج. وقد سرت إليه العدوى من روح العصر العسكرية، فأخضع الشئون الدينية لمقتضيات التوسع شأن الملوك، واستولى على أوربينو وفرض عليها الضرائب الثقيلة-كما فرضها على دويلاته الأخرى-ليمول جيشاً بابوياً يعده لمحاربة دوق بارما. ولكن الجيش كان عاجزاً لا خير فيه، وخف موته المملكة البابوية «في حال من الانحلال والاعياء» كما يقول سفير بندق «بحيث يستحيل أن تقوم لها قائمة بعد اليوم (٣٧). على أن السفير كان مخطئاً في حكمه، فقد ظهرت عناصر الانتعاش في كل مكان في الكنيسة، وشقت طريقها صعداً إلى البابوية. فالشعب الإيطالي البسيط،