ويشتغلان بجد، ويسلكان مسلك التواضع الذي توقعه الصينيون من أبناء حضارة حديثة العمر قليلة النضج كحضارة أوربا، لذلك سمح لهما بالبقاء. واتخذ ريتشي سمته إلى كانتون حيث أثار إعجاب المندوبين (كبار الموظفين) بمعارفه العلمية والجغرافية. وهناك أقام المزاول، ورسم الخرائط المريحة الوثيقة، وأجرى الحسابات الفلكية العويصة. ثم دخل اصدقاءه الجدد إلى حظيرة المسيحية بكتابته خلاصة مفرغة في أسئلة وأجوبة شرحت العقائد الأساسية للمسيحية، ودعمت بمقتبسات من النصوص الشرقية القديمة. وشجعه التسامح الذي لقبه فانتقل إلى ضاحية من ضواحي بكين (١٦٠١) وأرسل ساعة كبيرة إلى الأمبراطور (كانج هسي) فلما تعطلت الساعة ولم يستطع أحد من العلماء الصينيين أن يديرها من جديد، أرسل «أبن السماء» في طلب مهديها. وحضر ريتشي، وضبط الساعة، وقدم إلى الحاكم الطلعة مزيدا من الأدوات العلمية، وما لبث ريتشي وآخرون من اليسوعيين أن ثبتوا في بلاط مينج. ولم يضع الامبراطور الطيب أي عقبه في سبيل اعتناق كثير من علية الصينيين للمسيحية. وبعد موت ريتشي (١٦١٠) واصل يسوعي آخر يدعى «يوهان آدم شال فون بل» عمل البعثة العلمي والتبشيري. فاصلح التقويم الصيني، وصنع المدافع الممتازة للجيوش الصينية، وغدا الصديق الحميم للإمبراطور وموضع إكرامه، ولبس الحرير المندري، وسكن قصرا، وقامر بالسياسة، ثم ألقى في أحد السجون، ومات بعد سنة من الافراج عنه.
وقد تكون بقية القصة، التي اتصلت إلى القرن الثامن عشر، باعث تسلية لمؤرخ فلسفي النزعة. ذلك ان اليسوعيين في الصين كانوا بفضل تبحرهم في العلم، قد نفضوا عنهم تزمت اللاهوت. فحين درسوا آداب الصين الكلاسيكية تأثروا بما كشفوه فيها من حكمة سامية. وبدت لهم عبادة الصينيين لأسلافهم كأنها دافع رائع على الاستقرار الخلفي والاجتماعي، وكان في كونفوشيوس الكثير مما يبرر تبجيله. ولكن مرسلين