الجريئة وانتقالات طبقاتها الحادة من قوالب النهضة إلى قوالب الأصوات المتعددة الحديثة. وفي فبراير ١٦٠٠ أخرج ايميليو دي كافالييري؛ في مصلى القديس فيليب نيري بروما؛ قصة رمزية شبه مسرحية، الحركة فيها للرمز فقط؛ ولكن يصاحبها الأوركسترا والرقص والخورس والمغنون المنفردون هذه الموشحة الدينية «الأوراتوريو الأولى»، سبقت أوبرا بيري المسماة «أوريديتشي» بثمانية شهور لا أكثر، وشابهتها من وجوه كثيرة. وبعد مرور جيل آخر ألف جاكومو كاريسيمي أوراتوريوات وكنتاتات أثرت تراتيلها الفردية في تطور الإلقاء الأوبري الملحون.
والتقت خطوط كثيرة أخرى من التطور الموسيقي لتخرج لنا الأوبرا، فبعض «التمثيليات المقدسة» التي خلفتها العصور الوسطى أضافت الموسيقى والغناء إلى الحركة. ففي هذه، وفي موسيقاها المعبرة عن آلام المسيح، كانت الكنيسة أما للأوبرا أو حاضنة لها كما كان شأنها في كثير من الفنون الأخرى. فقد كانت المقاطع الملحوظة المصحوبة بالموسيقى تسمع في القصور أواخر العصور الوسطى. وذكر علماء النهضة أن قطعاً من المآسي اليونانية كانت تغني أو ترتل بمصاحبة الموسيقى. وفي بلاط مانتوا، عام ١٤٧٢؛ جمع إنجيليو بولتسيانو بين الموسيقى والدراما في مسرحيته القصيرة «فافولادي أورفينو أورفينو وبدأت هذه الأسطورة الحزينة تشق الآن طريقها الطويل إلى الأوبرا. كذلك شقت مسرحية الأقنعة «الماسك» التي اشتد الإقبال عليها في قصور القرن السادس عشر طريقاً آخر إلى الأوبرا؛ ولعل الباليه؛ والمشاهد المسرحية المترفة؛ والملابس الفخمة التي تراها في الأوبرا الحديثة، منحدرة من الرقص والمواكب والثياب الفاخرة التي غلبت على الحركة في مسرحيات الأقنعة أيام النهضة.
وفي أخريات القرن السادس عشر اقترح فريق من المتحمسين للموسيقى والأدب التقوا في بيت جوفاني باردي بفلورنسة أن يحيوا مسرحية اليونان الموسيقية بتحرير الأغنية من تعدد الأصوات الشديد ومن لغة القصائد الغزلية