فلورنسة، فأخرج في مانتوا أول اوبرا من تلحينه، وهي «أورفيو» أخرى (١٦٠٧) يشارك في عزفها أوركسترا من ستة وثلاثين عازفا. وسجلت الموسيقى والحركة في هذه الأوبرا تقدما عظيما على أوبرا «أوريديتشي» لبيري. وفي الأوبرا الثانية التي لحنتها مونتيفردي، واسمها «أريانا»(١٦٠٨) كانت الحركة أشد مسرحية والموسيقى أكثر استهواء للسامعين. وبدأت إيطاليا كلها تردد عويل أردياني التي هجرها حبيبها «دعوني أمت»، وفي توسيع مونتيفردي للاوركسترا واعادة تنظيمه، وفي تمييزه المتكرر لكل شخصية بلحن خاص، وفي افتتاحياته ٠سنفونياته) التي استهل بها اوبراته، وفي تجويده للموسيقى الصوتية والألحان، وفي جمعه الحميم، المعقد، بين الموسيقى والدراما، في هذا كله سجل من التقدم الحاسم في الأوبرا ما كان يفعله معاصره شكسبير في المسرح.
وانتقل مونتيفردي في ١٦١٢ إلى البندقية قائدا للمرتلين بكنيسة القديس مرقس. ولحن مزيدا من الأغاني الشعرية، ولكنه غير من هذا اللون الآخذ في الانحلال مسرفا في العنصر الالقائي اسرافا حدا بالنقاد إلى اتهامه بأنه يخضع الموسيقى للدراما (على نحو ما سيتهم به برنيني من اخضاع النحت للدراما)، ومما لا ريب فيه أن أوبرا مونتيفردي-ككل أوبرا تقريبا- ضرب «من الباروك» الموسيقى. وافتتحت البندقية أول دار عامة للأوبرا «تياترو دي سان كاسيانو»، وفيها استمر عرض أوبرا مونتيفردي «أدوني» من عام ١٦٣٩ إلى كرنفال ١٦٤٠، بينما كان أوبرا أخرى له تسمى «أريانا» تشغل مسرحا آخر بين الحين والحين. فلما أخرج آخر أوبراته «تتويج البابا»(١٦٤٢) اغتبطت إيطاليا لأنها رأت أنه ما زال في عنفوانه رغم بلوغه الخامسة والسبعين (شأن فردي الذي أخرج «عطيل» وهو في الرابعة والسبعين). وبعد عام مات تاركا دنيا الموسيقى بعد أن أن الهمتها وجددت شبابها ثورته الخلاقة.