والقواصر الكلاسيكية، أعادوا الروح القوطية ممثلة في شذوذات الباروك وتفصيلاته الزاخرة بالحيوية والمرح (١).
كان الفن الكلاسيكي ينشد الافصاح عن الموضوعي، اللاذاتي، الكامل، أما الباروك فقد أتاح للفنان الفرد، حتى لنزوته العارضة، أن تجد التجسيد في عمل لا يمثل موضوعا يصور تصويرا واقعيا (كما فن التصوير الهولندي) بقدر ما يمثل انطباعا أو شعوراً موضعاً عن طريق أشكال متخيلة جزئيا. وهكذا نرى أن صور الجريكو النحيلة الطويلة ليست صور رجال أسبان بل صور ذكرياته أو بدواته هو؛ وصور العذراء التي رسمها موريللو وجويدو لم تكن صور الأمهات المرهقات اللاتي عرفاهن بل الورع المثالي الذي طلب إليهما التعبير عنه. يضاف إلى هذا أن بلدا كإيطاليا زلزلت إحساسه حركة الإصلاح البروتستنتي وشحذ عاطفته الدينية من جديد أفراد كلويولا، وتريزان وزافير، وشارل بوروميو - إيطالية ما بعد لوثر هذه ما كان في الامكان أن تستكين إلى سلام المثل الكلاسيكي، ذلك السلام الهادئ الفخور، لذلك راحت تؤكد عقيدتها من جديد، وتبدي رموزها في تحد، وتزين هياكلها، وسكب في الفن دفئا جديدا من اللون والاحساس، وتنوعاً جديداً وحرية في التركيب والحركة لا يمكن التنبؤ بها، انطلقت من عقال القواعد والضوابط والخطوط الكلاسيكية. لقد أصبح الفن تعبيرا عن الشعور بالحلية، لا ضغطاً للفكر لإحداث الشكل.
أما العمارة فلم تعد رياضيات يونانية أو هندسية رومانية، بل موسيقى، وأحيانا أوبرا، مثل دار الأوبرا في باريس. واتجه المصممون والبناءون من الثبات إلى السيولة والايقاع، فرفضوا التناسق الساكن مؤثرين عليه عدم التوازن وعدم الوحدة المتعمدين، وفصصوا
(١) الباروك مشتقة من الكلمة البرتغالية barroco، وهي صدفة غير منتظمة الشكل كثيراً ما تستعمل حلية.