الأعمدة والأعتاب أو لووها عن قصد. وسئموا السطوح الساذجة والكتل الثقيلة، وقطعوا الكرانيش، وشطروا القواصر شطرين، وبعثروا النحت في كل اتجاه. أما المثالون فقد ضاقوا بأطراف الجسد الكاملة، والملامح الساكنة، والوقفة الأمامية الجامدة، فاتخذوا لاشكالهم أوضاعا غير متوقعة، داعين الناظر إلى اتخاذ نظرات منوعة، واستخدموا مؤثرات التصوير في صناعة التماثيل، فنحتوا الاضواء والظلال في الحجر، والحركة في الجسد، والفكر والشعور في الوجه. وأما المصورون فتركوا الخطوط النقية، والضوء الصافي، والسكينة البريئة - تركوا هذا كله لبيروجينو، وكوريدجو، ورفائيل، وغمروا الدنيا في اللون كما فعل روبنز، أو ظللوها بالغموض كما فعل رمبرانت، أو ايقظوها للحس مثل ريني، أو كدروها بالعذاب والوجد مثل الجريكو. وأما نقاشو الخشب فبعثروا الزخرف على الأثاث، وأما صانعو الأدوات المعدنية فقد حولوا مادتهم إلى أشكال غريبة أو مضحكة. وحين عهد اليسوعيون عام ١٥٦٨ إلى فينولا برسم «كنيسة يسوع» في روما، اشترطوا أن تجمع كل الفنون في فيض من الأعمدة، والتماثيل والصور، والمعدن النفيس، تصمم لا التعبير عن الهندسة، بل لتلهم الإيمان وتشيعه في النفوس.
ولما كانت إيطاليا لا تزال في الفن قائدة أوربا، فإن الأسلوب الجديد في الزخرفة والعاطفة والتعبير ل ينتقل إلى أسبانيا وفلاندر وفرنسا الكاثوليكية فحسب، بل حتى إلى ألمانيا البروتستنتية حيث بلغ بعضاً من أكثر أشكاله مرحاً وبهجة. أما الأدب فأحس تأثير الباروك في لعب ماريني وجونجوزا ولايلي المسرف بالالفاظ، وفي لغة شكسبير الرنانة الطنانة، وفي مسرحية مارلو «الدكتور فاوستس» ومسرحية جوته «فاوست». وأما الأوبرا فما هي إلا موسيقى باسلوب الباروك. على أن الاسلوب الجديد لم يحقق انتصاراً في كل مكان، فقد آثر الهولنديون الواقعية الهادئة على انفعالات