حين زار ملتن إيطاليا عام ١٦٣٨ ذكر ان العلماء الإيطاليين أنفسهم أحسوا ان مجد وطنهم قد زال بمجيء الحكم الأسباني والحركة المعارضة للاصلاح البروتستنتي. ولعل التسلط والرقابة ألحقتا الضرر بفكر إيطاليا وفنها - ولو أن سرفانتس وكالديرون وفيلاسكويز كانوا يزدهرون في ظل محكمة تفتيش أشد عتوا في أسبانيا. ولكن الذي أنهى النهضة الإيطالية لم يكن قائداً أسبانياً، ولا قائمة كتب حرمتها الكنيسة، بل ملاحا برتغاليا، هو فاسكودا جاما الذي عثر على طريق يمخر كله البحر إلى الهند، طويل حقاً ولكنه أرخص من طرق التجارة البندقية والجنوية التي أغنت إيطاليا. وأخذت التجارة البرتغالية والهولندية تحل محل التجارة الإيطالية، والمنسوجات الفلمنكية والانجليزية تنتزع الأسواق من الفلورنسيين. أما حركة الإصلاح البروتستنتي فكانت قد هبطت بالذهب المتدفق على روما من ألمانيا وإنجلترا إلى النصف.
وتألقت إيطاليا في اضمحلالها. حقاً لقد هبط الفن من علياء رفائيل وميكل أنجيلو، وفقد الفكر السياسي عمق مكيافيللي وشجاعته، ولكن لم هناك اضمحلال بل نهوض في السياسة والإدارة من ليو العاشر إلى سيكستوس الخامس، وفي العلم من ليوناردو إلى جاليليو، وفي الفلسفة من بومبوناتزي إلى برونو، وفي الدراما الموسيقية من بوليتيان إلى مونتيفردي، اللهم إلا اضمحلال في الشعر مختلف عليه من أريوستو إلى تاسو. وكانت إيطاليا خلال ذلك، كالأم الرءوم؛ تسكب فنها وموسيقاها، وعلمها وفلسفتها، وشعرها ونثرها، فوق الألب إلى فرنسا وفلاندر، وفوق المانش إلى إنجلترا، وفوق البحر إلى اسبانيا.