على ما ادعاه «المهدئون» من صلة حميمة بالله ومن روى طوباوية، وفي عام ١٦٤٠ وقعت في براثن محكمة التفتيش طائفة من الألومبرادو - «أي المستنيرين» - زعموا أن اتحادهم الصوفي بالاله يطهرهم من كل اثم حتى وهو في نشوات الجنس. علينا أذن ان نذكر هذا التدين الواسع الانتشار، الشديد التحمس، إن أردنا أن نفهم لم استطاع الشعب الأسباني أن يرقب في استحسان قوى حرق المهرطقين، وأن يجود بماله حتى الإفلاس والإعياء دفاعا عن العقيدة في ألمانيا والأراضي المنخفضة. لقد كان في هذا الجنون شئ من النبل، وكأن الأمة أحست بأنه ما لم يكن إيمانها صادقا فإن الحياة تصبح سخفا لا معنى له.
وهكذا مضت محكمة التفتيش في وحشيتها التي املاها عليها ضميرها، فحدت بالعقوبات «المعتدلة» - كجلد المذنب مائة جلدة - من بدع كتلك التي زعمت أن الزنى ليس خطيئة، أو أن الزواج مقدس كالتبتل الديري. أما المارانو «المرتدون» - وهم اليهود الذين اعتنقوا المسيحية من قبل ثم ارتدوا إلى اليهودية سرا- فكان التكفير المقرر عن جريمتهم هو الموت أو السجن المؤبد. وحين وصل فليب الثاني إلى اسبانيا (١٥٥٩) استقبل في بلد الوليد بتنفيذ حكم للمحكمة شهد فيه ٢٠٠. ٠٠٠ شخص يرأسهم الملك عشرة من المهرطقين يشنقون واثنين يحرقان أحياء (٤). والتمس أحد المحكوم عليهم الرأفة من فليب فرفض، واكتسب إعجاب الشعب بقوله «لو أن ابني كان شقيا مثلك لحملت بنفسي الحطب لأحرقه»(٥) وقد قاوم فليب أحيانا جنوح محكمة التفتيش إلى توسيع سلطانها على حساب السلطة المدنية، ولكنه على العموم شجع هذه المؤسسة باعتبارها أداة تعين الحماسة والوحدة القوميتين. وقد أراحه بعض الشيء أنه استطاع استخدام المحكوم عليهم عبيدا على السفن (٦). وأمه في سنة واحدة (١٥٦٦) تسلم ٢٠٠. ٠٠٠ دوكاتية من الذهب هي نصيب الثلثين المستحق للحكومة من غرامات محكمة التفتيش ومصادراتها.