إلا في الأرجوان وأصدر المراسيم-حتى مراسيم الاعدام-دون محاكمة علنية، وهدأ أوتقراطيته باليقين بأن هذا سبيله الأوحد إلى حماية الفقراء من الأغنياء (٣٣). وأنشأ تدريجا وبجهد، داخل حكمه المستبد، في قارة استشرى الفساد في كل ارجائها تقريبا، بيروقراطية وقضاء امتازا بالقياس إلى غيرهما بالكفاية والعدل (٣٤).
كان يحترم الكنيسة باعتبارها الشكل التقليدي للفضيلة والحارس القديم للملوك، ولكنه أخضع الدين للدولة في اسبانيا كما فعل هنري الثامن أو اليزابث الأولى في إنجلترا. وعلق أهمية كبرى على الوحدة الدينية باعتبارها أداة للحكم، حتى أنه رأى «أنه حير للملك ألا يملك اطلاقا من أن يملك على مهرطقين»(٣٥) فلما اقتنع بأن المغاربة في أسبانيا ما زالوا يمارسون شعائر الإسلام برغم تظاهرهم بالكثلكة، أصدر (١٥٦٧) أمرا عاليا يحرم كل العادات الاسلامية ويحظر استخدام اللغة العربية واقتناء الكتب العربية. وتمرد المغاربة (١٥٦٨)، واستولوا على اقاليم كبير جنوبي غرناطة، وذبحوا المسيحيين، وعذبوا الكهنة، وباعوا النساء والأطفال رقيقاً للبربر نظير البارود والبنادق. ولكن التمرد أخمد بعد سنتين من الفظائع التي تنافس الفريقان في ارتكابها. وطرد جميع المغاربة من اقليم غرناطة وشتتوا بين الجماعات المسيحية في قشتالة، وأودع أبناؤهم البيوت المسيحية، وجعل الحضور إلى المدارس اجبارياً على جميع الأطفال-وهو أول إلزام من نوعه في أوربا (٣٦). واشتبه فليب في أن المغاربة الباقين في بلنسية وقتلونيا يتآمرون مع العدو، وكان في حرب مع الترك، ولكن كثرة أعبائه أكرهته على أن يترك آخر مراحل المشكلة لخلفه.
وكان أبوه قد خلف له مهمة الدفاع عن العالم المسيحي ضد الإسلام باعتبارها جانبا هاما من سياسة الهابسبورج. ففي عام ١٥٧٠ انضم إلى البندقية والبابوية في حرب صليبية تنهي سيادة الترك على البحر المتوسط.