أما الدوق فكان فيه شئ من البر بالناس، لأنه رق كل أقاربه تقريبا في المناصب الدسمة، ولم يغفل ذاته في بره، ففي العشرين سنة التي رأس فيها الوزارة جمع ثروة طائلة قدرها الشعب المغيظ بمبلغ ٤٤. ٠٠٠. ٠٠٠ دوكاتية (٣٨)، وهو رقم يستحيل تصديقه. وقد وفر للخزانة من المال ما يكفي لتجهيز أسطولين ضخمين ضد إنجلترا (١٥٩٩ - ١٦٠١)، ولكن كليهما حطمته الأنواء العالية. وكان لليرما من الحصافة ما جعله يرحب بعروض السلام التي قدمها جيمس الأول، وهكذا أبرمت أسبانيا وإنجلترا صلح لندن (١٦٠٤) بعد تسعة عشر عاما من الحرب, أما الحرب في الأراضي المنخفضة فاستمرت. واستنزفت الذهب من اسبانيا بأسرع من وصوله إليها من أمريكا، ووجد ليرما أنه ليس في طاقته أن يشبع من موارد بلد مرهق حاجات قواده المعوقين، وجيبه الخاص. وإذا أدرك أنه لم يعد هناك جدوى من بذل مزيد من الجهود لرفض منح «الأقاليم المتحدة» استقلالها، فقد وقع معها هدنة تمتد اثني عشر عاما (١٦٠٩).
ولكن مشروعه التالي كان لا يقل تكلفة عن الحرب. كان مسقط رأسه بلنسبة، حيث يعيش ثلاثون الفا من اسر المغاربة، وكان فيه من التقوى ما يكفي لتبغيضه في هؤلاء المزارعين والصناع الذين كان لجدهم واقتصادهم الفضل في احتفاظهم باليسر وسط فقر المسيحيين المستكبر العاجز. وكان يعلم أن هؤلاء المسلمين المتنصرين قد احتفظوا- بدافع من سخطهم لاضطهاد فليب الثاني لهم- باتصالات خائنة مع مسلمي أفريقيا وتركيا، ومع هنري الرابع ملك فرنسا، الذي أمل ان يفجر الثورات في أسبانيا في الوقت المناسب (٣٩). ورأى أنه ليس من الوطنية في شئ أن يرف المغاربة الخمر ويزهدوا في أكل اللحم، فنتيجة هذا أن يقع عبء الضرائب المفروضة على هذه السلع، كله تقريبا. على كواهل المسيحيين من الأسبان. وأعرب سرفانتس عن الخوف من أن هؤلاء المغاربة الذين ارتفعت نسبة المواليد فيهم عنها في «المسيحيين القدامى» لندرة العزوبة عندهم، سيسودون