للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للأشخاص، جريء في أمانته - «أروع ما شهده العالم من جمع بين العرض الزمني المثير، والتاريخ الرصين (١٥)».

وكما أن كتب الأخبار المعروضة حسب تسلسلها الزمني، تدرجت (كما نرى في مؤلفات كالتي ذكرنا) إلى كتب التاريخ بوصفه ضربا من الأدب والفلسفة، كذلك نرى القصص الأسباني في هذا العصر ينتقل من رواية الفروسية والقصة الرعوية ليبلغ في قفزة واحدة أرفع القمم في تاريخ القصة. لقد ظلت روايات الفروسية كثيرة يقبل عليها في نهم كل أسباني من القديسة تريزا إلى سرفانتس، وربما كانت عند بعض القراء تفريجاً من حدة الدين الأسباني المتسامية، لأن عقيدة هذه الروايات كانت الغرام، وولاء الفرسان لم يكن للعذراء مريم بل لمن اختاروا أو هووا من النساء؛ وفي سبيل الدفاع عنهن أو تملكهن تراهم على استعداد لتكسير النصال الكثيرة وتحطيم عدد غير قليل من نواميس الله والبشر. ولكن التهافت على مثل هذه القصص كان يتناقص حين كتب سرفانتس، وكان مونتيتي وخوان لويز فيفز قد سخرا منها، وكان مجلس قشتالة شكا منذ سنين طويلة (١٤٣٨) من أن «كثيرا من الأذى يلحق بالرجال والفتيان والفتيات وغيرهم» بسبب هذه الروايات، وان الكثيرين «قد اضلتهم هذه القصص عن التعليم المسيحي الصحيح (١٦)».

وبلغت الأمور الذروة بفضل تطور آخر، ففي عام ١٥٥٣ كان كاتب مجهول الهوية قد كتب في «لاثاريللو» دي تورمس» أول قصة بأسلوب البيكارسك (أي التشرد) الذي جعل من أحد الوضعاء الظرفاء بطلا يكفر عن فقره بالتمرد على القانون، وعن تمرده على القانون بالفكاهة الذكية، وفي عام ١٥٦٩ نشر ماتيو أليمان قصة مرحة سماها «حياة المتشرد جوثمان دي الفاراتشي». وبعد خمس سنوات تناول سرفانتس هذين المزاجين-حلم الفارس الشهم الآخذ في الزوال، وحكمة رجل الشارع الممزوجة بالفكاهة، وجمع بينهما جنبا إلى جنب في أشهر القصص قاطبة وأروعها إطلاقاً.