الدولة، ورغبة في تفادي هذا العيب كان من المرغوب فيه جمع ما أمكن من مواد قد تكون ذات فائدة» (١٤). على حد قوله. وأصبحت هذه المحفوظات ذخرا للمؤرخين منذ ذلك الحين. وقد رجع جيرونيمو دي روريتا إلى آلاف الوثائق الاصلية في إعداد كتابه «حوليات مملكة أراجون»(١٥٦٢ - ٨٠)، واشتهر في أوربا بأسرها بـ «أعظم الكتاب تدقيقا».
أما أعظم المؤرخين الأسبان قاطبة، وهو خوان دي مايانا، فقد بدأ حياته ابنا غير شرعي لكاهن في طلبيرة. وإذ ترك في صباه ليدير شئونه بنفسه، فقد شحذ ذكاءه على حجر الضرورة القاسية والفقر الطاحن. وزوده اليسوعيون بتعليم صارم بفضل ما عهد فيهم دائما من سرعة في تبيين الموهبة. فلما بلغ الرابعة والعشرين أرسلوه للتدريس في كليتهم بروما، ثم إلى صقلية، ثم إلى باريس، حيث اجتذبت محاضراته عن توما الأكويني جماهير المستمعين المتحمسين. على ان صحته انهارت، فسمح له وهو في السابعة والثلاثين (١٥٧٤) بالاعتكاف في بيت الطائفة اليسوعية في طليطلة، فلزمه لا يبرحه إلا نادراً طوال سنيه التسعة والأربعين الباقية من عمره. وهناك كتب رسائل هامة أثارت إحداها ضجة دولية (كما سنرى)، ورسالة أخرى «في عملة المملكة» كانت هجوما جريئا على غش ليرما للعملة، وثالثة تركها دون نشر شرحت «الأخطاء في حكومة جمعية يسوع». وقد أفرغ أكثر جهده في الأربعين سنة الأخيرة من حياته في تأليف «كتاب في تاريخ اسبانيا»(١٥٩٢) - الذي كتبه باللاتينية ليتيح لكل الأوربيين المثقفين أن يعرفوا كيف ارتقت اسبانيا إلى مقام الزعامة والقوة. وقد ترجم أكثر الكتاب إلى أنقى اللهجات القشتالية يخص من الكردينال بمبو تحت عنوان «تاريخ أسبانيا»(١٦٠١)، وهو أجل المنجزات في تأليف التاريخ الرسمي الاسباني، نابض بالحياة في سرده، بديع في اسلوبه، متمكن في رسمه