وأنقسم شعراء الاسبان الآن معسكرات ثلاثة، ففريق اتبع الجونجورية (أو الكولتيه)، وفريق اعتنق مذهب كويفيدو (الكونسبتية)، وفريق ثالث قاوم الوبائين كما فعل لوبي ذي فيجا.
أما كويفيدو فقد نال في «القلعة» مراتب الشرف في القانون، واللاهوت، اللاتينية، واليونانية، والفرنسية، والعربية، والعبرية، والمبارزة. وكان برغم قصر بصره وتشوه قدميه رهيباً بسيفه وقلمه على السواء، وكانت هجائياته بتارة كحسامه. وقد فر إلى صقلية ونابلي بعد أن قتل عدداً من غرائمه. وحين بلغ الخامسة والثلاثين تقلد هناك وزارة المالية. وشارك في مؤامرة أوزونا على البندقية (١٦١٨٩، فلما فشلت أودع السجن ثلاث سنين. وعاد بعدها إلى مدريد، فلم تسكته وظيفة شرفية هي وظيفة السكرتير لفليب الرابع، وراح يسلق بشعره الحاد الملك والبابا وأوليفاريس والنساء والرهبان. وفي كتيبه المدقع «الكلب والحمى» (١٦١٥) نبح كل شيء، وأطلق على الكل عاصفة من الأمثال أكثف من أمثال سانشو بانزا وأشد لذعاً، وكانت نصيحته التي لم يعمل بها قط أن يقف المرء بعيدا عن المعركة و «يدع القاذورات تمر»(٣٨). ولما أعوزه الخصوم والأهداف، هاجم «كوليتة» الجونجوريين، وعارضها بـ «الكونسبيتيه»، وقال إن الشاعر، بدلا من تصيد العبارات والألفاظ الخيالية، أن يبحث عن الافكار - لا الافكار العامة الظاهرة التي أبالها الزمن أو لوثها الإبتذال، بل المفاهيم الدقيقة، الحليلة، النبيلة، العميقة.
وقد اتهم ظلما بكتابة تنبه الملك إلى ضرورة الكف عن التبذير، وطرد وزرائه العاجزين. فأودع زنزانة رطبة خمس سنين، ولما أفرج عنه كان رجلا محطما، فلم يعش بعدها غير ثلاث سنين (١٦٤٥). إنه لم يعش