يعبر الاسمان عن أهم ولاءات اسبانيا وأقواها. وما وافى عام ١٦٠٢ حتى قامت المسارح أيضا بلنسية، واشبيلية، وبرشلونة، وغرناطة، وطليطلة، وبلد الوليد، وفي عام ١٦٣٢ كان في مدريد ألف ممثل، وفي قشتالة ستة وسبعون من الكتاب المسرحيين، وكن الخياطون والباعة والرعاة يكتبون التمثيليات. ولم تحل سنة ١٨٠٠ حتى كانت أسبانيا قد استمعت إلى ثلاثين ألفا من مختلف التمثيليات. ولا يذكر التاريخ بلدا آخر، حتى إنجلترا الاليزبيثية، انتشى بمثل هذه النشوة المسرحية.
وتطور شكل المسرح من الأفنية - المحاطة بالبيوت والمواقف المؤقتة - التي كانت تمثل فيها المسرحيات الأولى؛ وصممت المسارح الدائمة صفوفا من المقاعد وألواحاً تحيط بمكان مسيج، وكانت الملابس أسبانية أياً كان مكان التمثيلية أو زمانها، ولا نظارة خليطاً من جميع الطبقات، والنساء يختلفن إلى المسرح ولكنهن يجلسن في قسم خاص بهن ويلبسن الاقنعة الثقيلة. وكان الممثلون يعيشون عيشة قلقة هبطت بمعنوياتهم، بين المجاعات والولائم، يتعزون عن الفاقة والتشرد بالفوضى وحلو الاماني. ونال بعض «النجوم» الذكور من الثراء والشهرة ما أدار رؤوسهم، فراحوا يختالون في أهم شوارع مدريد وهم يصلحون سيوفهم ويفتلون شواربهم، ونامت بعض كبريات المغنيات مع الملوك في مضاجعهم.
أما ملك المسرح الاسباني فهو لوبي فيلكس دي فيجر كاربيو. ففي عام ١٦٤٧ اضطرت محكمة التفتيش إلى حظر «قانون إيمان» منشور مطلعه «أؤمن بلوبي دي فيجا ضابط الكل، شاعر السماوات والأرض»(٤٠) ولعل كاتبا آخر في التاريخ لم يحظ بمثل هذه الشهرة في جيله. ولم يقتصر معظم هذه الشهرة على أسبانيا دون غيرها من الاقطار إلا لصعوبة ترجمة الشعر المقفى، ولكن حتى مع هذا القيد كانت مسرحياته تمثل بالاسبانية في نابلي وروما وميلان، وانتحل اسمه في فرنسا وإيطاليا لمسرحيات لم يكتبها، وذلك اغراء للجماهير بحضورها.