ثم يلقي سجسموند عنه وحشيته، بانقلاب آخر علله المؤلف تعليلا شديد القصور، ويغدو انساناً عاقلاً، فإذا أجلسته الثورة على العرش أصبح ملكاً صالحاً، واعياً في تواضع بأن هذا الارتقاء هو أيضاً حلم، فقاعة تافهة في زبد الحياة.
والخطب في المسرحية طويلة طولاً مؤلماً، وتزويق العبارات «الجونجوري» يفسد خمر الشعر، ولكنها مسرحية قوية برغم هذا العيب، تمزج الحركة بالفكر وتحتفظ بالتشويق الدرامي إلى النهاية. وأغلب الظن أننا لو كان لنا وطن وتعليم غير وطننا وتعليمنا، ولو أتيح لنا الفهم الجيد للغة القشتالية، لاعتبرنا هذه التمثيلية من أعظم التمثيليات في العالم.
ويستحيل علينا الآن أن نستعين بالخيال لنقتلع أنفسنا من سجن زماننا ومكاننا، وندرك قوة الدور الذي لعبته الدراما في اسبانية القرن السابع عشر، ومدى النفوذ الذي حظيت به. ففي ايطاليا كادت تطرد المأساة الإيطالية من خشبة المسرح. وفي فرنسا زودت بالحبكات كتابا كآردي وكورني وموليير وكثيرين غيرهم، وقد صاغت شكل المأساة الفرنسية قبل راسين، إذ شددت على الشرف واسقطت البلاغة فإذا ذكرنا إلى ذلك كله تأثير سرفانتس وغيره من الروائيين الأسبان على لوساج وديفو وفيلدنج وسموليت، ومن خلال هؤلاء على دكنز وتاكري، وإذا قارنا فن إنجلترا الاليزابيثية، أو حتى فن فرنسا المعاصرة، بعمارة أسبانيا ونحتها وتصويرها في اوجها ذاك-إذا فعلنا هذا كله بدأنا هذا ندرك لم تغلو شعوب العالم الناطقة بالأسبانية في الفخر بميراثها والاعتزاز بنسبها.