في أغلب الظن شعر بأنه بهذه الطريقة قد يرمز إلى التسامي الروحي لأشكاله- أجسام تمددها نفوس تشرأب إلى السماء. وفي لوحتي القديس أندراوس والقديس فرانسيس المحفوظتين بالبرادو يبدو هذا النحول غير مفهوم ما لم نأخذ هذه الرمزية في الاعتبار. ونتذكر التماثيل القوطية التي ترفق مراعاة للقيود المعمارية. على أن هذا كله يغتفر للفنان حين نصل إلى لوحته "القديس اليفونسو" التي رسمها لمستشفى الكاريداد باليسكاس، فهنا، في الروح الوقور الذي خلعه على رئيس الأساقفة الوسيط، وفي عقله المستغرق، ووجهه المتقشف، وشعره الأبيض الناحل، ويديه الرقيقتين- هنا تصور من أعمق تصورات الجريكو. "هذه الصورة وحدها تكفي جزاء وعوضاً عن الرحلة إلى إسبانيا"(١٣).
ولا يدلنا القليل الذي نعلمه عن حياة الجريكو على أنه كان متديناً على الطريقة الأسبانية، ويبدو أنه كان يميل إلى اللذة لا إلى الورع. فحين رسم لوحة "العائلة المقدسة" لمستشفى تافيرا خلع على العذراء جمال الجسد لا وفاء الأم. أما لوحة "الصلب" ففيها علم واسع بالتشريح، ولكنها باردة في العاطفة، وقد أحس جرونيفالد بمأساة الصلب تلك احساساً أعمق بكثير. ففي صوره الدينية لا يتجلى الجريكو إلا في اللوحات العارضة- كما نرى صورته هو بلحيته البيضاء ورأسه الاصلع في "يوم الخمسين". ولم يجد مشقة، في بلد يعج برجال الدين، في العثور على شخصيات قوية يصورها، كصديقه بارافيثينو الثالوثي (بوسطن) بوجهه نصف العالم ونصف عضو محكمة التفتيش، أو رئيس المحكمة نفسه، الكردينال نينودي جيفارا (نيويورك) - وصورته لا ترقى إلى صورة فيلاسكويز التي رسمها لإنوسنت العاشر. وقد تجاوزها الجريكو ذاته في لوحة "كردينال تافيرا" الذي نرى في وجه المضني- وكله عظام وعيون حزينة - تعبيراً آخر عن تصور الفنان لتكريس الكاهن نفسه لخدمة الدين. ولكن خير اللوحات كلها لوحات الأخوين كوفاروبيا: فواحد- وهو انطونيو- علماني،