للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على خوان دي هيريرا وفترة أطول على باتشيكو. يقول باتشيكو "زوّجْته لابنتي بعد أن أغراني شبابه ونزاهته وخصاله الحميدة وما يرجى لنبوغه الطبيعي العظيم من مستقبل مرموق (١٧) ".

واقام فيلاسكويز مرسمه الخاص، وسرعان ما لفت النظر بايثاره للمواضيع الدنيوية. وقد اختلط بالدهماء، وكان يغتبط بنقل أفكارهم وترجمة حياتهم إلى وجوههم. ورسم وهو بعد فتى في العشرين لوحة رائعة سماها "سقاء إشبيلية" (١٨). هنا، في ثوب رث وفي صبر جميل، صورة للفقر مع الأمانة وفي عامه الثالث والعشرين صور الشاعر جونجورا (بوسطن) ببصيرة اكتمل نضجها- فالعينان والأنف نافذة إلى صميم الحياة.

وأكبر الظن أن هذا العمل قام به فيلاسكويز خلال زيارته الأولى لمدريد (١٦٢٢). لقد كانت إشبيلية وكهانها أضيق من أن يتسعا لبوغه، وساقته فورة من الطموح إلى العاصمة فانطلق إليها يتأبط "سقاءه". هناك حاول التقرب من البلاط ولكنه لم يفلح. ذلك أن فليب الرابع وأوليفارس كانا مشغولين بالسياسة والزيجات والحروب، وكان هناك أكثر من عشرة فنانين يتسلقون نفس السلم. وقفل دييجو إلى إشبيلية. وانقضى عام، ثم وفد الأمير تشارلز ستيوارت على مدريد، وتردد إلى إحدى بنات الملك، وأبدى تذوقاً للفن، فارسل أوليفارس في طلب فيلاسكويز. وركب الفتى الأسود العينين والشعر إلى العاصمة مرة أخرى، فعين مصوراً للبلاط، واستهوى الملك إذ صوره خيالاً باسلاً يمتطي فرساً يطفر، ولم يقنع فليب بالجلوس أمام فيلاسكويز ليصوره مراراً وتكراراً، ولكنه شجع الأسرة المالكة (الأخوة والأخوات والأطفال) ورجال البلاط (الوزراء والقواد والشعراء والمضحكين والأقزام) أن يجلس كل بدوره أمام هذه الريشة المخلدة. وأعطى دييجو مرسماً في القصر الملكي، وفيه، أو على مقربة منه، أنفق أكثر السنين السبعة والثلاثين الباقية من عمره. لقد كانت فرصة رائعة، وكانت سجناً مضيقاً للأفق.