تلك كانت الأعمال الجانبية التي تسلت بها ريشة فيلاسكويز، ربما تخففاً من مخاطر تصويره لكبار الحاشية دون أن ينال منهم المدح والثناء، وقد يزيد تقديرنا لأسبان القرن السابع عشر حين نرى هؤلاء النبلاء يرتدون الأثواب المتواضعة، ومع ذلك يواجهون بإيمان فخور عالماً بدا فيه وطنهم الحبيب عاجزاً مشلول الحركة لما أصابه من انحلال. فالدون دييجو ديل كورال أي أريللانو، والكردينال جاسبار دي يورخا أي فيلاسكويز (٢٣)، والنحات القوي البدن مونتانيس، وفارس سنتياجو الشامخ (٢٤)، وفرانسسكو دستي الثاني، الحلو الحي، والدون خوان فرنسسكو بيمنتال الفخم المهيب- تلك صور تنفذ إلى صميم النفس. وإذا كانت "صورة رجل" المحفوظة في قاعة كابيتوليتي بروما هي حقيقة صورة فيلاسكويز نفسه، كان مستحيلاً على الناظر إلا أن يحبه- بشعره المجعد في إهمال، وثوبه المتواضع، وعينيه الرقيقتين المفكرتين.
ويعجب المرء كيف زحم رجال الحاشية في صور فيلاسكويز الكنيسة والموضوعات الدينية المقدسة ليحلوا محلها. لم يكن في استطاعته أن ينافس الجريكو أو ثورباران في رسم الشيوخ الرسل والقديسين بتجاعيدهم الكثيرة، ولم تنبعث قدراته كلها إلا في صورة "تتويج العذراء" دون سائر صوره الدينية. فلقد كان اغتباط أعظم بالمناظر الدنيوية وفي صورته "لاس لانثاس"، والمشهورة باسم "استسلام بريدا" بسط نفسه على اللوحة بسخاء، فجعلها من أوسع اللوحات في تاريخ الفن (١٢٠ بوصة ×١٤٤)، ولكنها أيضاً من أغناها تفاصيل. وبيان ذلك أن أمبروزيو دي سبينولا كان قد استرد لأسبانيا خلال الحرب الطويلة التي خاضتها ضد ثوار الأراضي المنخفضة مدينة بريد الاستراتيجية في برابانت الشمالية. والتقى فيلاسكويز بسبينولا عام ١٦٢٩ أثناء رحلته عائداً من إيطاليا، ووقع من نفسه موقعاً جميلاً ذلك النبيل الفروسي الذي اتسم به القائد الكبير، فسجل هذا كله في رائعة بدا فيها الرماحون الأسبان المنتصرون يرفعون حرابهم عالياً، والمدينة