للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفاخرة التي تتألق بالجواهر والذهب وإرضاءً لهم وتسلية للناس. أما فيلاسكويز فقد صورهم بروح العطف والمرح، فواحد منهم، اسمه انطونيو الانجليزي، يبدي في كبرياء طوله عن كلبه وإن كان دونه جمالاً؛ وآخر اسمه سباستيان دي مورا يعبس في لحيته الضخمة ويزم قبضتيه سخطاً على قدره. كذلك كان في البلاط مهرجون، ورسم فيلاسكويز منهم خمسة، واحداً منهم، صورته تسمى "الجغرافي (٢٢) " لأنه يشير إلى الكرة الأرضية، يبدو أكثر تفكيراً من أوليفارس، وثانياً يسمى بارياروسا يستل سيفاً رهيباً، وثالثاً إرتدى زي دون جوان النمسوي، ورابعاً يحاول حمل كتاب ضخم، وخامساً تسمى صورته "الأبله" يبدو عليه جنون لا يؤذي، بل يكاد يكون لطيفاً.

وجد فيلاسكويز تفريحاً من البروتوكول- برغم كونه دائماً رجل بلاط وجنتلماناً لا تخطئه العين- في دراسة حياة العامة الإجلاء الذين لا يزالون زينة المشهد الأسباني. ففي بواكير إشتغاله بالتصوير (١٦٢٩) أقنع شابين جميلين وستة من الفلاحين بأن يجلسوا إلى صورة "السكارى". وفيها ياخوس عار تقريبا، جالس فوق برميل، يتوج بالكروم شخصاً راكعاً، بينما تجمع حولهما عشاق للكرمة أجلاف، أضنى بعضهم الكد، وأشاب بعضهم الزمن؛ ولعل هذه هي الخمرية الخالدة الوحيدة في الفن الأسباني خلال القرن الذهبي. وأعجب حتى من هؤلاء السكارى لوحتان سمي فيلاسكويز الأولى "ايزوب"، وهي صورة مؤلف حزين عجوز، مملق نصف أعمى، يحمل قصصه الخرافية عبر السنين، والثانية "منيبوس" وهي صورة فيلسوف كلبي من فلاسفة القرن الثالث ق. م.، هذان وجهان يعلقان بالذاكرة. ولا يقل عن هذا كله ما تركه لنا فيلاسكويز من صور الحيوان؛ جياد تبدو لنا اليوم ثقيلة الحركة لضخامتها، ولكن يعوض عن عيبها رؤوس تختال وعيون تلمع، ورأس غزال عليه سيماء الفلسفة، وقد استسلم لوحشية البشر، وكلاب متحفزة للجري والوثب، أو يقظانة نائمة.