للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"جاتاكا" عن مولد بوذا ونشأته شائعة في الناس؛ وأشهر كتاب في الهند هو المعروف باسم "بان كاتانترا" أي "العنوانات الخمسة") حوالي ٥٠٠ ميلادية (وهو مصدر كثير من الحكايات الخرافية التي أمتعت أوروبا كما أمتعت آسيا؛ وكتاب "هيتو باديشا" أو "النصيحة الطيبة" فيه مختارات ومقتبسات من الحكايات الموجودة في "بان كاتانترا"، والعجيب أن كلا الكتابين ينزلان عند الهنود- إذا ما صنّفوا كتبهم- في قسم "نيتي شاسترا" ومعناها إرشادات في السياسة والأخلاق، فكل حكاية تروى لكي تبرز عبرة خلقية، ومبدأ من مبادئ السلوك أو الحكم، وفي معظم الحالات يقال في هذه القصص إنها من إنشاء برهمي ابتكرها ليعلم بها أبناء ملك من الملوك، وكثيراً ما تستخدم هذه الحكايات أحط الحيوانات للتعبير عن ألطف معاني الفلسفة؛ فحكايات القرد الذي حاول أن يدفئ نفسه بيراعة) وهي حشرة تضئ بالليل (وقتل الطائر الذي بصره بخطئه في ذلك، تصوير بديع رقيق لما يصيب العالم الذي يتصدى لإرشادات الناس إلى مواضع الخطأ في عقائدهم (١).

ولم تنجح كتابة التاريخ هناك في أن ترتفع عن مستوى سرد الحقائق عارية، أو مستوى الخيال المزخرف، ويجوز أن يكون الهنود قد أهملوا العناية بكتابة التاريخ بحيث ينافسون بها هيرودوت، أو ثيوسيديد، أو فلوطرخس، أو تاسِتَسْ أو جُبن، أو فولتير، إما لازدرائهم لحوادث المكان والزمان المتغيرة) وهو ما يسمونه مايا (وإما لإيثارهم النقل بالرواية الشفوية على المدوّنات المكتوبة، فالتفصيلات الخاصة بتحديد الزمان أو المكان قليلة


(١) هناك حرب حامية ناشبة في ميدان البحث العلمي في شئون الشرق، فيما إذا كانت هذه الحكايات الخرافية قد جاءت إلى أوروبا من الهند، أو العكس؛ وإننا نترك هذا النزاع إلى أصحاب الفراغ؛ ولعلها انتقلت إلى الهند وأوروبا كليهما من مصر عن طريق بلاد ما بين النهرين (العراق) وإقريطش (كريت)؛ وعلى كل حال فتأثير كتاب "بان كانانترا" على "ألف ليلة وليلة" لا ينازعه منازع.