جداً في وثائقهم، حتى في حالة كتابهم عن رجالهم المشهورين، لدرجة أن علماء الهنود قد تفاوتوا في تحديد تاريخ أعظم شعرائهم "كاليداسا" تفاوتا تراوح بين طرفي فترة طولها ألف عام؛ إن الهنود يعيشون- ومازالوا كذلك إلى يومنا هذا- في عالم لا يكاد يتغير فيه شئ من عادات وأخلاق وعقائد، حتى ليوشك الهندي ألا يفكر قط في تقدم، ويستحيل عليه أن يعنى بالآثار القديمة؛ فقد كانت تكفيه الملاحم تاريخاً صحيح الرواية، كما تكفيه الأساطير في تراجم الأسلاف؛ فلما كتب "أشفاغوشا" كتابه عن حياة بوذا "بوذا- شارِتا" كان أقرب إلى الأساطير منه إلى التاريخ، وكذلك لما كتب "بانا" بعد ذلك بخمسمائة عام كتابه من حياة "هارشا") هارشا- شارِتا (كان أقرب إلى رسم صورة مثالية للملك العظيم منه إلى تقديم صورة يعتمد على صدقها وتواريخ "راجيوتانا" القومية ليست فيما يظهر إلا تمرينات في الوطنية والظاهر أنه لم يكن بين الهنود إلا كاتب واحد هو الذي أدرك عمل المؤرخ بمعناه الصحيح وهو "كالهانا" مؤلف كتاب "راجات آرانجيني" ومعناه "تيار الملوك" ولقد عبر عن نفسه بقوله: "ليس جديرً بالاحترام إلا الشاعر الشريف العقل الذي يجعل الكلمة منه كحكم القاضي- خالية من الحب والكراهية في تسجيل الماضي" ويسميه "وِنْتَرْنِتْز": "المؤرخ العظيم الوحيد الذي أنتجته الهند".
أما المسلمون فقد كانوا أدق شعوراً بكتابة التاريخ، وخلَّفوا لنا مدوَّنات نثرية تدعو إلى الإعجاب لما صنعوه في الهند، وقد أسلفنا ذكر "البيروني" ودراسته البشرية وذكْر "مذكرات""بابور"، وكان يعاصر "أكبر" مؤرخ ممتاز هو "محمد قاسم فِرِشْتا" وكتابه "تاريخ الهند" هو أصح دليل تستدل به على حوادث الفترة الإسلامية؛ وأقل منه حياداً "أبو الفضل" كبير وزراء "أكبر" أو الرجل الذي كان يؤدي كل شئون السياسة في البلاد؛ وقد خَلَّف