بيضاء- وقال لجنده «إذا فرقكم وطيس المعركة لحظة فتجمعوا تحت أشجار الكمثري تلك التي ترونها على يميني، وإذا فقدتم أعلامكم فلا تغفلوا عن ريشتي البيضاء- ستجدونها دائما في طريق الشرف، وفي طريق النصر أيضاً كما أرجو». وقاتل في المقدمة كما كان شأنه دائماً. وورم ذراعه الأيمن وتشوه سيفه من كثرة مقارعة العدو. وقد خدمه اشتهاره بالرأفة، إذ استسلم له الآلاف من الجنود السويسريين الذين كانوا في جيش مايين والذين لم تدفع لهم رواتبهم. وخلف انتصار هنري الحلف بغير جيش، فزحف على باريس دون مقاومة تقريباً ليحاصرها.
ومن مايو إلى سبتمبر ١٥٩٠ عسكر جنده الجائعون المفلسون حول العاصمة وهم يتحرقون شوقاً لمهاجمتها ونهبها، ولكن صدهم عن هذا رفض هنري الموافقة على مذبحة ربما كانت شراً من مذبحة القديس برتليمو. وبعد شهر من الحصار كان الباريسيون يأكلون لحم الخيل والقطط والكلاب، ويغتذون بالعشب. ورق لهم قلب هنري فسمح للأقوات بأن تدخل المدينة. وجاء دوق بارما، والى فليب على الأراضي المنخفضة، لنجدة باريس بجيش حسن التجهيز من صناديد الاسبان، وتقهقر هنري إلى روان بعد أن غلبته مناورات العدو، وتبعه بارما في صراع الاستراتيجية ولكن المرض أعجز الدوق، وعاد جيش هنري يحاصر العاصمة من جديد.
وواجه الآن هذا السؤال الفاصل: أيستطيع، وهو البروتستنتي، أن يظفر بعرش بلد ٩٠% منه كاثوليك، وأن يحتفظ بهذا العرش؟ لقد كان الكاثوليك كثيرة غالبة حتى في جيشه. ولا ريب في أنه لم يكن من همومه الصغيرة تناقص موارده المالية وعجزه عن دفع رواتب جنده بعد ذلك. ومن ثم دعا معاونيه واعترف لهم بأنه يفكر في اعتناق الكاثوليكية، فوافق بعضهم على الخطة لأنها السبيل الوحيد إلى السلام، وندد آخرون بها باعتبارها تخلياً قاسياً شائناً عن الهيجونوت الذي أعطوه الدم والمال