وجنده أن يقيموا تلاً من الحجر طوله ١٧٠٠ ياردة بعرض مدخل الميناء، تاركين فتحة لحركة المد والجزر. وقد بلغ عنف هذه الحركة، التي ارتفعت فيها المياه وهبطت اثني عشر قدماً، مبلغاً جعل تنفيذ المشروع يبدو مستحيلاً، ففي كل يوم كان الماء يكتسح نصف الأحجار المبنية يومها. وملّ الملك هذه الحرب التي لم تسفك فيها دماء وانطلق إلى باريس، وتوقع كثير من رجال الحاشية أنه طارد ريشليو لعجزه عن أخذ المدينة عنوة. ولكن التل اكتمل بناؤه أخيراً وبدأ مهمته المرسومة. ومات نصف سكان لاروشيل جوعاً. ولم يستطع الحصول على القليل من اللحم غير أغنياء القوم، فكانوا يدفعون خمسة وأربعين جنيهاً ثمناً للقط، وألفي جنيه ثمناً للبقرة. أما جان جيتون عمدة المدينة فقد توعد كل من يجري على لسانه حديث الاستسلام بالقتل بخنجره. ولكن المدينة استسلمت في يأسها بعد ثلاثة عشر شهراً من المجاعة والمرض (٣٠ أكتوبر ١٦٢٨). ودخلها ريشليو ممتطياً جواده من خلفه الجند يوزعون الخبز رحمة بالناس.
وتصايح نصف فرنسا مطالباً باستئصال شأفة الهيجونوت. ولم يكن في وسعهم-بعد أن أضنتهم الحرب-إلا أن يتوسلوا. ولكن ريشليو فاجأهم بشروط صلح رأى فيها الكاثوليك تساهلاً شائناً. صحيح أن لاروشيل فقدت استقلال بلدتها، وحصونها، وأسوارها، ولكن أشخاص سكانها وأملاكهم لم تمس، وسمح لمن بقي من الجنود الهيجونوت بالرحيل بأسلحتهم، ومنحت حرية العبادة في المدينة للبروتستنت والكاثوليك على السواء، وتلقت مدن هيجونوتية أخرى مثل هذه الشروط بعد استسلامها. ووجب رد الأملاك الكاثوليكية التي انتزعها البروتستنت، ولكن القساوسة الهيجونوت الذين فقدوا مأواهم مؤقتاً عرضوا باعانة من الدولة بلغت ٢٠٠. ٠٠٠ جنيه، واعفوا من فرضة الرؤوس (آلتاي) شأن الأكليروس الكاثوليك (١٩). ومنح عفو عام لجميع من شاركوا في التمرد. وثبت مرسوم نانت الذي أصدره هنري الرابع في كل نصوصه الجوهرية،