بمرسوم ريشليو المسمى «مرسوم العفو»(٢٨ يونيو ١٦٢٩) وفتحت وظائف الجيش والبحرية والحكومة أمام الجميع دون نظر للعقيدة. وأذهل أوربا أن ترى الكاثوليك الفرنسيين يتبعون ويبجلون قواداً من البروتستنت كتورين وشومبير وهنري روهان. قال ريشليو «منذ ذلك الحين لم تمنعني قط خلافات الدين عن أداء كل أنواع الخدمات للهيجونوت (٢٠)». وقد تبين الكردينال العظيم، في حكمة افتقدها لويس الرابع عشر فيما بعد افتقاداً مؤسفاً، قيمة الهيجونوت الاقتصادية الهائلة لفرنسا-كما سيتبينها كولبير. ومن ثم فقد أقلعوا عن الثورة، وانصرفوا في هدوء إلى التجارة والصناعة، وأصابوا من التوفيق والفلاح ما لم يصيبوه في أي وقت مضى.
٤ - الكردينال والأشراف
بمثل هذا المضاء، وبتساهل أقل، تناول ريشليو النبلاء الذين ما زالوا يرون في فرنسا التعدد لا الوحدة. لم تكن الاقطاعية قد ماتت قط، فلقد حاربت من قبل في الحروب الدينية لتهيمن على الحكومة المركزية. وكان كبار النبلاء يحتفظون بقلاعهم المنيعة، وقواتهم المسلحة، وحروبهم الخاصة، وبطاناتهم، وموظفيهم القانونيين، وبفلاحيهم تحت رحمتهم، ويتقاضون الرسوم المعوقة على التجارة التي تخترق أملاكهم. إن فرنسا لم تكن بعد أمة لأن الاقطاع والدين قطعا أوصالها، بل كانت مجموعة مضطربة قلقة من البارونات المغرورين، أشباه المستقلين، القادرين في أية لحظة على تكدير السلام وتمزيق اقتصاد الدولة. وكان أكثر الأقاليم يحكمه الأدواق أو الكونتات الذين يدعون لأنفسهم حق حكمها مدى الحياة ويورثونها أبناءهم.
ولاح لريشليو أن البديل العملي الوحيد لهذه الفوضى المضعفة هو تركيز النفوذ والسلطة في الملك. ويخيل إلينا أنه ربما أمكنه أن يجاهد ليوازن هذا التركيز برد قسط من الاستقلال للبلديات. ولكنه لم يستطع رد كومون العصر الوسيط الذي اعتمد على نقابات التجار والصناع والاقتصاد المحلي