للإمبراطور، دخل ريشليو الحرب فعلاً. وزاد الجيوش الفرنسية من ١٢. ٠٠٠ في عام ١٦٢١ إلى ١٥٠. ٠٠٠ في عام ١٦٣٨. وأعان الثورة التي قام بها القتلونيون في أسبانيا، وبفضل دبلوماسيته سيطر على كوبلنتز، وكولمار، ومانهايم، وبازل، واستولى جنوده على اللورين وشقوا طريقهم عنوة مخترقين سافوا إلى ميلان قلب القوة الأسبانية في شمال إيطاليا.
ثم دار الحظ دورته وبدا أن كل هذه الانتصارات لا معنى لها. ففي يوليو أغسطس ١٦٣٦ عبرت قوة كبيرة من الجيوش الأسبانية والامبراطورية الأراضي المنخفضة ودخلت فرنسا، واستولت على أكس-لا-شابل (آخن) وكوربي, وزحفت على أميان واجتاحت أودية السوم والواز الخضراء. وكانت جيوش ريشيلو بعيدة جداً، وأصبح الطريق إلى باريس مفتوحاً عديم الدفاع أمام العدو. واغتبطت الملكة الأم في بروكسل، والملكة سان جرمان، وحزبها الموالي لأسبانيا في فرنسا، وراحوا يعدون الايام لسقوط الكردينال المنتظر. وازدحمت الجماهير الغاضبة في باريس في الشوارع منادية بموته - ولكن حين طلع عليهم بادئ الهدوء فوق جواده المهيب لم يجرؤ أحد منهم على أن يمسه، وابتهل الكثيرون لله أن يمنحه القوة لانقاذ فرنسا. وهنا لم تتضح شجاعته فحسب، بل بعد نظره واجتهاده؛ ذلك انه كان قد نظم منذ أمد بعيد مواطني باريس في ميليشيا احتياطية، واختزن السلاح والمؤونة لهم، ومن ثم فقد نفخ الآن فيهم روح الحماسة فاستجابوا لندائه، وأقر برلمان باريس والمجالس البلدية والنقابات الحرفية المال اللازم، ولم تمض أيام حتى كان جيش جديد في طريقه إلى القتال، فحاصر كوربي. وتلكأ جاستون أورليان المتولي قيادة الجيش، فحضر ريشيلو، وتولى القيادة، وأمر بالهجوم. وفي ١٤ نوفمبر سقطت كوربي، وتقهقرت الجيوش الهابوسبورجية إلى الأراضي المنخفضة.
وفي عام ١٦٣٨ استولى برنان أمير ساكسي-فيمار الذي قاد جيشاً ألمانياً يموله ريشيلو، على ألزاس، فلما مات بعد سنة أوصى بها