هو أيضاً كاتباً مسرحياً وشاعراً، وقد كتب فعلاً النثر الرائع كما تشهد بذلك مذكراته. وقد وفق في غير تردد - كما وفق ولزي - بين أتباع المسيح، والاهتمام بشيطان المال. رفض الرشا ولم يتقاض راتباً، ولكنه استولى على دخل الكثير من الرتب الكنسية، زاعماً أنه في حاجة إلى تمويل سياساته. وشيد لنفسه كما فعل ولزي قصراً بلغ من فخامته أنه رأى من الحكمة قبل موته أن يهديه إلى ولي العهد؛ ولنا أن نفترض أنه مبنى للموظفين الإداريين وللمظهر الدبلوماسي أكثر من الترف الشخصي. لم يكن بخيلاً، وقد أثرى أقرباءه، وكان في وسعه أن يسخو بمال الدولة. وأوصى بنصف ثروته للملك، ونصحه بأن يستعمله «في الظروف التي لا تحتمل بطئ الإجراءات المالية (٣٠)».
أما ما يبدو لنا قسوة شديدة فيه فكان في رأيه ضرورة من ضرورات الحكم، فمن القضايا المسلمة بها عنده أن الناس - والدول بالتأكيد - لا يمكن أن يساسوا باللطف، بل لا بد من تخويفهم بالصرامة. إنه أحب فرنسا، ولكن الفرنسيين لم يبعثوا فيه حرارة الحب. وقد وافق كوزيمو دي مديتشي على أن الدولة لا يمكن حكمها بالصلوات الربانية، ووافق مكيافللي على أن أخلاقيات المسيح لا يمكن اتباعها بأمان في حكم الأمة أو صيانتها. كتب يقول «إن المسيح لا يسعه الإبطاء في العفو عن الإساءة، ولكن الحاكم لا يسعه الإبطاء في عقابها إذا كانت جريمة ضد الدولة … ولا بقاء للدول بغير هذه الفضيلة (فضيلة الصرامة) التي تصبح شفقة بقدر ما يمنع عقاب مجرم واحد ألف مجرم من نسيانه (٣١)». وريشليو هو الذي روج عبارة «مبرر الدولة»، أي أن القانون الأخلاقي يجب أن يخضع لمبررات الدولة (٣٢). ويبدو أنه لم يخامره قط شك في أن سياساته هي واحتياجات فرنسا شيء واحد، ومن ثم اضطهد أعداءه الشخصيين بنفس الحزم الذي عاقب به أعداء الملك.
على أنه كان داخل قلعته وجبهته الدبلوماسية إنساناً، يهفو إلى الصداقة،