ويحس عزلة العظماء ووحشتهم. ويريدنا كتاب تالمان «أقاصيص» المملوء بالقيل والقال أن نصدق أن ريشليو حاول أن يجعل من ماري مديسي خليلة له، وكانت تكبره بعشرين عاما (٣٣)، ولكن هذا بعيد الاحتمال. وهناك أساطير أخرى عن علاقات الكردينال الغرامية السرية، حتى مع نينول دلا نكلو، وما كان لينتهك عرف العصر أن يعزى رجل السياسة المرهق نفسه ببعض الانحرافات. بيد أن كل ما نعرفه عن عواطفه معرفة واضحة هو أنه كان شديد التعلق بابنة أخته ماري-مادلين دكومباليه. فقد أرادت أن تدخل ديراً بعد أن ترملت عقب زواجها، ولكن ريشليو أقنع البابا بمنع هذا، وأبقاها قريبة منه لتدير بيته، واستجابت بالإخلاص له إخلاصاً أشد حرارة من أكثر العلاقات الغرامية. كانت تلبس لباس الراهبة وتخفي شعرها. وسلك ريشليو منها مسلك اللياقة الواجبة كله، ولكن الملكتين رفضتا تبرئتها لفقدان الأدلة الكافية على إدانتها، وسقتا غيرهما إلى حديث الشائعات الذي أضاف وخزة عديدة لقصة الكردينال. إنه لم يحب «رجلاً، ولا امرأة أيضاً» وقد ثأر كلاهما منه.
أما ما كان يملكه فوق كل شيء فهو الارادة. وقليل من الناس في التاريخ كله من اجتمعت لهم هذه الوحدة في الهدف، وهذا المضاء والثبات في السعي إليه، وما كان لقوانين الحركة أن تكون أكثر ثباتاً. ولا بد أن نعجب باخلاصه لواجباته، وافنانه نفسه فيها طوال سنين من الجهد وليالي حرم فيها النوم. وقد كرس هذه الجهود لأولئك الذين يسر لهم النوم دون مخاوف مستظلين برعايته الساهرة. ولا بد أن نعترف له بالشجاعة الفائقة التي تصدت للنبلاء الأقوياء والنساء الدساسات، وقاومتهم وصدتهم، وقضت عليهم في غير خوف ولا رهبة وسط المؤامرات المتكررة على حياته. وقد غامر برأسه المرة بعد المرة بسبب نتائج سياساته.
وقلما كان يشعر بالعافية. فقد عرضته الحمى التي أبتلته بها مستنقعات بواتو لصداع متكرر كان أحياناً يلازمه أياماً بطولها. ولعل جهازه العصبي