كان ضعيفاً بالوراثة. أو مضروراً بالخلقة، فقد كانت إحدى شقيقاته ضعيفة العقل، وأحد إخوته مجنوناً بعض الوقت، وأرجفت شائعات القصر أن الكردينال ذاته تعتريه نوبات من الصرع وهلوسات جنونية (٣٤). وكان يعاني من البواسير، والبثور، ومرض المثانة، وكانت أزماته السياسية تزداد تعقداً أحيانا بحصر البول كما كان الشأن مع نابليون (٣٥). وقد حملته علته على التفكير غير مرة في الاعتزال، ولكنه وهو حبيس إرادته كان يأخذ الزمام ثانية ويواصل النضال.
ولسنا نستطيع أن ننصفه إلا إذا نظرنا إليه في مجموعة، بما فيه من ملامح تتخذ شكلها ونحن ماضون في الرؤية. لقد كان رائداً للتسامح الديني، رجلاً واسع الثقافة حساسها، ذواقة للموسيقى، وجماعاً خبيراً للفنون، وعاشقاً للدراما والشعر، وصديقاً معيناً لرجال الأدب، ومؤسساً للأكاديمية الفرنسية. ولكن التاريخ يذكر فيه بحق أولاً وقبل كل شيء الرجل الذي حرر فرنسا من تلك السيطرة الأسبانية التي نجمت عن الحروب الدينية والتي جعلت من فرنسا، بمقتضى الحلف، دولة تتلقى من أسبانيا معاشاً، بل تكاد تكون تابعة لها. أنه حقق ما كان فرنسيس الأول وهنري الرابع يصبوان طويلاً إليه وما أخفقا في تحقيقه، فقد كسر «النطاق الخانق» الذي طوقت به دولتا الهابسبورج فرنسا. ولا بد أن تفصل الصفحات التالية تلك الاستراتيجية البعيدة النظر التي حسم بها حرب الثلاثين سنة، وأنقذ البروتستنتية الألمانية باعتبارها حليف فرنسا الكاثوليكية، ويسر لمازران أن يصوغ صلح وستفاليا البناء. أما لفرنسا ذاتها فقد خلق وحدة وقوة على حساب دكتاتورية واستبدادية ملكية ولدت الثورة حين حان وقتها. وإذا كان أول واجبات رجل الدولة أن يجعل شعبه سعيداً حراً، فإن ريشليو كان شديد القصور في تحقيق هذا الهدف. وقد أدانه الكردينال ريتز-وهو قاض ذكي ولكنه لم يتجرد من التحامل-لأنه «أرسى أشنع وأخطر طغيان استرق دولة ربما في التاريخ كله (٣٦)». ولو