واستمر يحكم فرنسا حيناً. وذلك أنه أوصى بجوليو مازاريني خلفاً له في الوزارة، ووافق لويس. وقد ترك عشرة مجلدات من المذكرات، مسجلاً فيها أعمال الدولة كأنها ليست أعماله بل أعمال الملك. وكان في سنواته الأخيرة قد أهدى لويس «ميثاقاً سياسياً»«ويصلح بعد موتي لإدارة مملكتك وسياستها». هنا وسط بعض الملاحظات التافهة نجد قواعد دقيقة بليغة للحكم، صيغت في أسلوب زمانه. إنه ينصح الملك بأن يجتنب الحرب، باعتبارها شيئاً لا يصلح له جلالته بطبعه. «إن مصالحة عشرة أعداء أجدى وأدعى للفخر من القضاء على عدو واحد (٤٠)» ثم أسر إليه أن الفرنسيين قوم لم يخلقوا للحرب، ففي بدايتها يكونون الشجاعة كلها والحماسة كلها، ولكن يعوزهم الصبر ورباطة الجأش انتظاراً للحظة المواتية، ويمضي الوقت «يفقدون الاهتمام، ويغدون أضعف حتى من النساء (٤١)». ويجب أن يكون الملك، كالقائد شجاعة الرجال القادرة على مقاومة الميول العاطفية؛ وعليه ألا يعطي النساء كلمة في الحكومة، لأنهن يتبعن نزواتهم وأهواءهن أكثر مما يستمعن لصوت العقل (٤٢). على أن «الفكر» في المرأة لا يناسبها «لأني لم أر في حياتي امرأة عالمة لم يفسدها علمها (٤٣)». والنساء لا يستطعن كتمان السر، «والكتمان روح السياسة (٤٤)»، ورجل الدولة الحصيف قليل الكلام كثير الإصغاء (٤٥)». وهو يحذر أن يسيء بكلمة غافلة؛ وهو لا يتكلم بشر عن أحد إلا إذا اقتضى ذلك صالح الدولة (٤٦). ومن واجب الملك أن يكون لديه معلومات عامة عن تاريخ جميع الدول ونظامها، لا سيما دولته (٤٧)». ثم يرجو المؤلف شيئاً من التفهم لوزارته وخلقه «إن عظماء الرجال الذين يعينون لحكم الدولة أشبه بالمحكوم عليهم بالتعذيب، مع فارق واحد، هو أن هؤلاء يتلقون العقاب على سيئاتهم، أما أولئك فعلى حسناتهم (٤٨).
وعاش الملك خمسة أشهر بعد موته، وقد ذكر الناس حكم لويس