للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعلت هذه الصداقة كل علاقة إنسانية بعدها تبدو لمونتيني تافهة غثة. وقد اكتسب المرة بعد المرة أن نصفه مات مع لابويتي "لقد ألفت أن أكون دائما أثنين، ولم اعتد أن أكون وحدي قط، حتى ليخيل إلي أنني لست إلا نصف نفسي (٣٥) ". وفي حرارة هذه الذكرى رفع الصداقة فوق الحب بين الوالد والولد، والفتاة والفتى، والزوج والزوجة، ويبدو أنه لم يكن يشعر بأي عاطفة رومانسية نحو أي امرأة. "في شبابي عارضت الأفكار الشائعة عن الحب، والتي أحسست أنها تغلبني على أمري، وجاهدت لأقلل من متعة مخافة أن … يسترقني في النهاية ويضعني تحت رحمته (٣٦) ". ولا يعني هذا أنه لم تكن له أويقات غرام، فهو على العكس يعترف بعلاقات واسعة متعددة قبل زواجه (٣٧). وقد وصف الحب الجنسي بأنه "ليس إلا لذة تدغدغ الجسم نتيجة إفراغ الأوعية المنوية، أشبه باللذة التي تعطينا إياها الطبيعة في إفراغ الأعضاء الأخرى. وروى أنه من المضحك أن الطبيعة "خلطت لذاتنا وأوساخنا معا (٣٨) ".

وقد وافق الفلاسفة، على أن حافز الجماع ليس مبرراً للزواج. "لست أرى زيجات أسرع فشلاً وأكثر كدراً كتلك التي تعقد من أجل الجمال، أو تتم في عجلة إستجابة لرغبات الغرام (٣٩) ". فالزواج يجب أن يرتبه "طرف ثالث "، وينبغي أن يرفض صحبة الحب (الجنسي) وشروطه "وأن يحاول شروط الصداقة "، ويجب أن يصبح الزواج صداقة إن أريد له البقاء. وكان يميل إلى رأي المفكرين اليونان القاتل بأن على الرجل ألا يتزوج قبل الثلاثين. وقد اجتنب هذا الرباط أطول ما استطاع. وإذ كان لا يزال أعزب وهو في الثامنة والعشرين، فإنه سافر إلى باريس، وافتتن بها (٤٠)، واستمتع بحياة البلاط حيناً (١٥٦٢)، ورأى الهنود الأمريكيين في روان، وتردد بين مفاتن الحضارة والهمجية المتنافسة، ثم عاد إلى بوردو، وتزوج فرانسواز دشاسين (١٥٦٥).

ويلوح أنه تزوج لأسباب منطقية تماماً: هي أن يكون له بيت وأسرة،