للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويصل مونتيني إلى الشكوكية بطريق آخر- وهو التأمل في تنوع وتذبذب الإيمان بالقوانين والأخلاق، وبالعلم والفلسفة والدين، فأي هذه الحقائق هو الحق؟ وهو بفضل الفلك الكوبرنيقي على الفلك البطلمي، ولكن "من يدري، فلعل رأياً ثالثاً يأتي بعد ألف سنة قد يقلب هذين الرأيين " و "أليس أكثر احتمالاً أن الجرم الضخم الذي نسميه الدنيا شيء آخر غير ما نحكم به عليه؟ (٦٨) " و "ليس هناك علم "، إنما هي فروض دعية لعقول مغرورة (٦٩). وخير الفلسفات قاطبة فلسفة برو- وخلاصتها أننا لا نعرف شيئاً. "أن أكبر مقدار فيما نعرفه هو أقل مقدار فيما نجهله (٧٠) " "وما من شيء يؤمن الناس به إيماناً أرسخ من إيمانهم بما يعرفونه أقل معرفة " و "إن الاقتناع باليقينية شاهد واضح على الحمق (٧١) ". وبعبارة موجزة، ليس هناك وجود ثابت، لا لكياننا ولا للأشياء. ونحن، وحكمنا وكل الأشياء الفانية الأخرى، لا تكف عن الدوران، والتحول، ثم الزوال، فلا شيء يمكن إثباته على التحقيق. وليس بيننا وبين الوجود اتصال (٧٢). إذن فشفاء لكل الجراح يختم مونتيني باعادة تأكيده لإيمانه المسيحي، والإشادة بالإله الذي لا يمكن استكناهه (٧٣).

بعدها طبق شكوكيته على كل شيء، دائماً مع انحناءة احترام للكنيسة. وأصبح شعاره "ماذا أعرف "، محفوراً على خاتمه ومكتوباً على سقف مكتبته. وزينت شعارات أخرى عوارض السقف المماثلة "الحجج المؤيدة والمعارضة كلاهما ممكن "، "يجوز لا يجوز "، "لا أقرر شيئا، لا أفهم الأشياء؛ أعلق حكمي؛ أمتحن (٧٤). "وبعض هذا الموقف آخذه عن شعار سقراط "لا أعرف شيئاً "، وبعضه عن برو، وبعضه عن كورنيليوس أجريبا، وكثير منه عن سيكستوس أمبيريكوس، قال، منذ الآن "سأقيد نفسي بما أرى وأمسك به، ولا أذهب بعيداً عن الشاطئ " (٧٥).

ورأى الآن النسبية في كل مكان، والمطلقات في غير مكان، وأقلها