في مقاييس الجمال، ويجد فيلسوفنا الشهواني متعة بالغة في ملاحظة مختلف الآراء بين مختلف الشعوب عن مقومات الجمال في ثدي المرأة (٧٦). وهو يعتقد أن كثيراً من الحيوان يفوقنا جمالاً، ويرى أننا كنا حكماء حين اكتسينا بالثياب، وهو يدرك إن دين الإنسان وأفكاره الخلقية تقررها بيئته عادة. "إن طعم الخير أو الشر يتوقف إلى حد كبير على رأينا فيها "، وهو ما سيقوله شكسبير، و "إن الناس تعذبهم آراؤهم عن الأشياء لا الأشياء ذاتها "(٧٧)، وقوانين الضمير لا تنبعث من الله بل من العادة. وما الضمير إلا القلق الذي نحسه حين ننتهك عرف قبيلتنا (٧٨).
وكان لمونتيني من الفطنة ما منعه من الرأي بأن الأخلاق يصح إغفالها ما دامت نسبية. فهو على العكس منذ لك آخر من يمس ثباتها واستقرارها. وهو يتكلم بجرأة عن الجنس، ويطالب بكثير من الحرية- للرجال، ولكنك إذا دققت النظر فيه وجدته فجأة سيئاً. فهو يوصي بالعفة للشباب، وحجته أن الطاقة التي تبذل في الجنس مصدرها مستودع القوة المشترك في البدن، وهو يلاحظ أن الرياضيين الذين كانوا يتدربون للألعاب الأولمبية "أمسكوا عن جميع الأفعال الجنسية وامتنعوا عن ملامسة النساء "(٧٩).
وكان بعض من يمد شكوكيته إلى الحضارة ذاتها، وأن يسبق في ذلك روسو وشاتوبريان. أوحى إليه الهنود الذين رآهم في روان بأن يقرأ تقارير الرحالة؛ ومن هذه الروايات كتب مقالة "عن أكلة لحوم البشر " وعنده أن أكل الموتى أقل همجية من تعذيب الأحياء. "لست أجد في هذه الأمة (أمريكا الهندية) شيئاً همجياً ولا وحشياً، إلا إذا سمي الناس ما لم يألفوه همجية "(٨٠). وقد تخيل هؤلاء الوطنيين أصحاء لا يمرضون إلا نادراً، سعداء دائماً تقريباً، عائشين في سلام وطمأنينة دون قوانين (٨١) وامتدح فن الأراتكة وطرق الأنكا. وأجري على لسان هنود روان تنديداً بثراء أوربا وفقرها. "لقد أدركوا أن بيننا رجالاً اتخموا بكل أنواع السلع في حين يتضور غيرهم جوعاً، وعجبوا كيف تحمل الفقراء هذا