منقوصاً، لا لأن الهند قد تراخت عن الإبداع الفني في أي عهد من عهودها، بل لأن الحروب ونزوات المسلمين في تحطيم الأوثان، قد عملت على تحطيم ما ليس يقع تحت الحصر من آيات الفن في العمارة والنحت؛ ثم عمل الفقر على إهمال البقية الباقية من تلك الآيات؛ وسنجد الأمر عسيراً علينا بادئ ذي بدء، إذا ما أردنا أن نقدر هذا الفن، فموسيقاهم غريبة على أسماعنا، وسيبدو تصويرهم لأعيننا غامضاً وفنهم في العمارة مضطرباً، ونحتهم للتماثيل خشناً غليظاً؛ فعلينا في كل خطوه نخطوها أن نُذكّر أنفسنا بأن أذواقنا معرضة للخطأ في أحكامها، إذ هي نتيجة لتقاليدنا وبيئتنا المحلية المحدودة؛ وإنا لنظلم أنفسنا ونظلم الأمم الأخرى، إذا ما حكمنا عليهم أو على فنونهم بمعايير وغايات تتفق وطبيعة حياتنا، لكنها غريبة بالقياس إلى الحياة عندهم.
فالفنان في الهند لم يكن بعد قد تميز من الصانع، إذا كان الفن صناعة والعمل اليدوي مهانة؛ فكما كان الحال في عصورنا الوسطى، كذلك كانت في الهند التي انقضى عهدها في موقعة "بلاسي"، وهي أن كل صانع مهر في صناعته كان فناناً في تلك الصناعة، يخلع على نتاج مهارته وذوقه قالباً خاصاً وشخصية متميزة؛ وحتى اليوم، حيث حلّت المصانع محل الصناعات اليدويه، وانحدر الصنّاع اليدويون إلى "أيدٍ عاملة"، لا تزال ترى في المتاجر والدكاكين في كل مدينة هندية، صناعاً متربعين في جلستهم على الأرض، يطرقون المعادن أو يصوغون الحُليّ، أو يرسمون الرسوم الزخرفية، أو ينسجون الشيلان الدقيقة أو يوّشون الوشي الرقيق، أو ينحتون في العاج أو الخشب، ومن الراجح ألا تكون بين الأمم كلها أمة أخرى كان لها ما للهند من تنّوع خصيب في ألوان الفنون (٣).
ومن العجب أن صناعة الخزف لم تستطع أن ترتفع من مستوى الصناعة إلى مستوى الفنون في الهند؛ فقد فرضت قواعد الطبقات كثيراً من القيود على