سلموها لمحكمة التفتيش، ودعي مونتيني إلى الهيئة المقدسة ونبه في رفق إلى أن فقرات في مقالاته تشم منها رائحة الهرطقة، أفلا يرى تغييرها أو حذفها في الطبعات المقبلة؟ فوعد "خيل إليّ أنني تركتهم راضين فيها كل الرضا، وهذا حق، بل لقد دعوه للحضور إلى روما والعيش فيها (ولكنه لم يبال بالوفاء بوعده، وفي عام ١٦٧٦ أدرج كتابه في قائمة الكتب المحظورة من الكنيسة). ثم سافر عبر إيطاليا قاصداً مزار العذراء في لوريتو وأهداها لوحة نذرية، ربما ليطمئنهم ويطمئن نفسه. ثم عاد إلى عبور الابنين للاستشفاء بمياه لوكا.
وهناك (في ٧ سبتمبر ١٥٨١) تلقى رسالة تقول أنه اختير عمدة على بوردو. فطلب إعفاءه، ولكن هنري الثالث أمره أن يقبل، ولم يستطع أن يتجاهل تقليد خدمة الدولة الذي خلفه له أبوه. على أنه لم يتعجل العودة إلى فرنسا، فلم ير قصره الريفي إلا في ٣٠ نوفمبر، بعد سبعة عشرة شهراً من بدء جولته. وكانت واجبات العمدة خفيفة، ومكافأته التشريف دون الأجر. وقد أدى واجبات وظيفته على وجه مرضي، لأن انتخابه أعيد (أغسطس ١٥٨٣) عامين آخرين. وفي ديسمبر ١٥٨٤ زاره هنري نافار ومعه خليلة وأربعون تابعاً، ونام ملك فرنسا المقبل في فراش الفيلسوف. وقرب ختام فترة عمديته الثانية تفشى الطاعون في بوردو، فغادر مونتيني المدينة إلى الريف كما غادرها كل موظفي الدولة تقريباً. وفي ٣٠ يوليو ١٥٨٥ حول شارات منصبه لخلفه واعتزل في بيته.
لم يكن قد جاوز الثانية والخمسين، ولكن الحصى كان يعجزه في فترات دورية، وأحياناً يحصر بوله أياماً (١١٣). وفي أوائل عام ١٥٨٨ بقي فيه من القوة ما يكفي للقيام برحلة ثالثة إلى باريس. وهناك قبض عليه بأمر من الحلف الذي كان آنئذ يسيطر على العاصمة لاتهامه بالولاء لهنري الثالث، وأودع الباستيل (١٠ يوليو ١٥٨٨)، ثم أفرج عنه في الليلة ذاتها بشفاعة كاترين دي مديتشي. وفي اكتوبر حضر اجتماع مجلس الطبقات