في بلوا ولكنه عاد إلى بوردو في الوقت المناسب للنجاة من التورط في تقلبات هنري الثالث عقب اغتيال الدوق جيز.
وفي آخر مقالاته وأروعها "في الغجرية " أورد وصفاً لانحلال جسده. فأسنانه مثلاً وصلت فيما يبدو إلى "النهاية الطبيعية لبقائها (١١٤) ". وهو يحتمل "انطلاقه " دون مرارة، فلقد عاش حياته كما رسمها، واستطاع أن يكتب في فخر:"راجع العالم القديم كله، مجد ومشقة في اختيار اثني عشر رجلاً وجهوا حياتهم في مجرى واحد … مستقر، أكيد، وهو أجمل توجيهات الملكة (١١٥) ". فلما أنبيء بقرب منيته، جمع أهل بيته وورثته من حوله، وأعطاهم بشخصه المبالغ أو الأشياء التي أوصى لهم بها في وصيته. ثم تناول أسرار الكنيسة في تقوى رجل لم يكتب قط كلمة شك أو ارتياب. ومات في ١٣ سبتمبر ١٥٩٢ بالغاً من العمر تسعة وخمسين عاماً.
وانتشر تأثيره طوال قرون ثلاثة وعمّ قارات أربعاً. وقد قبل ريشليو في ابتهاج إهداء الآنسة جورنيه إياه طبعة "المقالات " الأخيرة. وفي تاريخ مبكر (١٦٠٣)، نسقها صديقه وتلميذه شارون في فلسفة شكلية منتظمة وجعلها فلوريو من عيون الأدب الانجليزي (١٦٠٣)، ولكنه غشى بساطة المؤلف وإيجازه بالاطناب المفرط في التفقه. ولعل شكسبير رأى تلك الترجمة فأعانته على تشكيل شكوكية مآسيه الكبرى وصوغ عباراتها، وقد شعر بيكون بذلك التأثير، ولعل ديكارت وجد في "المقالات " الحافز لشكه العام الأول. أما بسكال فقد أشرف على الجنون وهو يحاول انقاذ ايمانه من تشكيكات مونتيني. ومن مونتيني انبثق بيل. وفوفنارج، وروسو، وديدرو، وفولتير- أما روسو فمن اعترافات مونتيني ومقالاته "في التعليم " و "في أكلة لحوم البشر "، وأما فولتير فمن باقي أعماله كلها.
لقد كان مونتيني جدّ حركة التنوير كما كان بيل أباها. وقالت مدام