للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دو ديفان، أقل نساء جيلها اللامع أوهاماً. أن يودّها أن "تلقي في النار جميع مؤلفات الفلاسفة الضخمة إلا مونتيني، الذي هو أبوهم كلهم (١١٧) ". وبفضل مونتيني دخل تحليل العقل والخلق النفسي إلى الأدب الفرنسي، من كورني وموليير، ولارشفوكو ولابرويير، إلى أناطول فرانس. أما ثورو فقد نهل الكثير من هذا المورد، كذلك استحم فيه إمرسون قبل أن يكتب "مقالاته ". ويمكن أن نقول في مونتيني مالا يصدق إلا على قلة من المؤلفين قبل القرن الثامن عشر، وهو أنه مقروء اليوم كأنه كتب بالأمس.

وتبين العالم عيوبه واغتفرها له منذ زمن طويل. وقد اعترف بالكثير جداً منها حتى لقد استنفد أسلحة نقاده. كان عليماً بأنه ثرثار مغرور. وقد يصيبنا الإعياء حيناً بعد حين من شواهده الكلاسيكية، وتقع لحظة في ذلك الحكم الظالم الذي أصدره مالبرانش على "المقالات " إذ زعم أنها "ليست إلا نسيجاً من النوادر التاريخية، والقصص الصغيرة، والكلمات الطريفة، والأشعار، والأقوال المأثورة .... التي لا تدل على شيء (١١٨). وما من شك في أن مونتيني يخلط بضاعته في فوضى وكل خلطا يقلل من تأثيرها ومغزاها. وهو يناقض نفسه في مائة موضوع، فهو لابد إذن مصيب، لأنه يقول كل شيء ونقيضه. وفي الشكوكية الشاملة شيء يبتلي المرء بالشلل. فهي تحفظنا من قتل الناس باللاهوت، ولكنها تثبطنا بما تسبقنا إليه من حجة وتستنزف جلدنا. ونحن نتأثر بمحاولة بسكال البائسة أن ينقذ إيمانه من مونتيني، تأثراً أعمق من تأثرنا برغبة مونتيني في ألا يكون له إيمان على الإطلاق.

بيد أننا لا نستطيع أن نضع قلوبنا في نقد كهذا، فهو لا يقطع إلا مؤقتاً تلك البهجة التي نجدها في الثقافة الضاحكة، والفكر المرح المنبعث من هذا الثرثار الذي لا يمكن إسكاته وفي تفكيره السريع. فأين نجد مرة أخرى مثل هذا الموكب المفعم بالحياة، مركب الحكمة والفكاهة؟ إن بين هاتين