للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصورة التي رسمها لنفسه عام ١٦٥٠ تطالعنا منها عينان فيهما كلال، ربما من الرسم أو القراءة على ضوء ضليل. كان يقرأ كثيراً، محاولاً الإلمام بحياة اليونان والرومان في تفصيل مثابر، ولم يصب فنان مثل هذا العلم منذ ليوناردو. فلما أقبل على شيخوخته وجد عينيه تضعفان ويده تهتز, وقطع موت زوجته في الحادية والخمسين (١٦٦٤) رباطاً حياً؛ فلم يعمر بعدها سوى سنة واحدة كتب صديق يقول «مات ابيلليس». وعلى المقبرة أو قربها في كنيسة أبرشية سان لورينزو، أقام شاتوبريان (١٨٢٩) نصباً من الرخام كتب عليه كما يكتب أحد الخالدين من البشر الفنانين لآخر:

ف. أ. دشاتوبريان

إلى

نيكولا بوسان

لمجد الفنون وشرف فرنسا

وكان أكبر منافسيه في تصوير مناظر الطبيعة جاره، وصديقه، كلود جيلليه، الملقب لوران نسبة إلى مسقط رأسه. وقد شعر هو أيضاً بدافع يدفعه نحو إيطاليا، وقبل أي وظيفة مهما حقرت ليصل إليها ويعيش فيها. حين تكشف كل لفتة للعين الباحثة عن أثر ما للفن المسيحي أو قطعة ملهمة من الفن القديم. وفي روما تتلمذ لأجوستينو تاسي، ومزج له الألوان، وطهي له طعامه، وتعلم على يديه. وقد رسم على سبيل التجربة ألف رسم، وحفر كلشيهات يقدرها اليوم الخبراء العارفون. وكان يشتغل ببطىء وتدقيق، وقد يستغرق أسبوعين في تفصيل واحد. وأخيراً أصبح هو أيضاً مصوراً، يرتزق من الطلب على صورة من الكرادلة والملوك الذين يقدرون فنه. وبعد قليل كان له بيته فوق التل البنسي، وشارك بوسان في اشباع الطلب الجديد للمناظر الطبيعية.

وكان يستجيب لهذا الطلب عن طيب خاطر، لأنه أحب أرض روما وسماءها حباً دفعه أحياناً إلى الاستيقاظ قبل طلوع الفجر ليشهد بزوغ النور