و «مأتم فوكيون» أقوى لوحات بوسان الاسطورية، ولكن «أورفيوس ويوريديسي» أشدها وقعاً في النفس، ربما لاننا نتذكر الحان جلوك اليائسة. ومما يزعج الروح الرومانسية أن تجد القصة تائهة في المنظر الطبيعي على هذا النحو. فالحقيقة إن بوسان لم يحب الرجل، ولا حتى المرأة، بل المشهد المهذب للنفس، مشهد الحقول والغابات والسماء المنبسطة - كل ذلك المنظر العريض المحيط باللوحة، حيث يكون التغيير متمهلاً، أو خجلاً أما الدوام والاستمرار، وحيث تذوب أوصال البشر في منظورات المكان والزمان. لذلك كانت أعظم صوره هي مشاهد الطبيعة، التي يكون الإنسان فيها عرضا ضئيلا، شأنه في التصوير الصيني أو البيولوجيا الحديثة.
هذه المشاهد جليلة، ولكنها رتيبة. ولولا أن بوسان أضاف هنا وهناك أشكالاً مميزة او عنواناً خطه في إهمال لشق علينا أن نفرق بين الواحد منها والآخر. لقد أحب الخط في حكمة ولكنه أسرف في حبه، وأهمل سلم اللون، مستغلاً اللون البني فوق ما ينبغي؛ لا عجب أن أراد الفنانون الذين أتوا بعده على هذه «الصلصلة البنية» المتساقطة من أشجاره. ومع ذلك فأن هذه الآفاق الخافتة الاضواء، الخافتة الالوان، التي لم يرض عنها رجل مثل رسكن افتتن بوهج تيرنر، هي تفريج لنا بعد ما أصاب التصوير في أيامنا من اهتياج وقلق أيديولوجي، فهنا المفهوم الكلاسيكي للجمال بوصفه اتساق الأجزاء في كل، لا الفكرة الحديثة عن الفن بوصفه «تعبيراً» - قد يكون صورة طفل لم يتقن رسمها أو صيحة بائع متجول. وفي وسط اللازمية والباروك، وفي معارضة لقوة التصوير الإيطالي في القرن السابع عشر وعاطفيته، تشبث بوسان بالمثل الكلاسيكي الأعلى، الذي لا يغلو في شيء، فلا ألوان صارخة، ولا دموع، ولا إغرابات، ولا مقابلات مسرحية بين الضوء والظل، بل فن ذكوري أشبه بكوريني منه براسين وبباخ منه ببيتهوفن.