العميقة الهادئة لموضوع القطعة الموسيقية؛ وبين الآلات آلة- اسمها فينا- كانت مرهفة الحساسية لدرجه تميزها من سواها في ذلك، كما كانت محددة الأصوات تحديداً واضحاً؛ وكانت أوتارها مشدودة فوق عارضة رقيقة من المعدن، في إحدى طرفيها طبلة خشبية يغطيها غشاء من الذبذبة بواسطة مضراب في يمين العازف، بينما جعلت يسراه تغير في النغمات بأصابع تتحرك في براعة من وَتر إلى وَتر؛ ولبث زائرنا ينصت في خشوع، ولم يفهم من كل ذلك شيئاً.
للموسيقى في الهند تاريخ يمتد ثلاثة آلات عام على أقل تقدير؛ فالترانيم الفيدية- مثلها مثل الشعر الهندي كله- إنما نظمت لتنشد؛ ولم يكن في الطقوس القديمة فرق بين الشعر والغناء، والموسيقى والرقص، فكل هذه عندها فن واحد؛ وإن الرقص الهندي ليبدو لعين الغربيّ اللامعة بالشهوة، شهوانياً فاجراً، كما يبدو الرقص الغربي للهنود شهوانياً فاجراً؛ كان هذا الرقص الهندي خلال الشطر الأعظم من التاريخ الهندي، لوناً من ألوان العبادة، وعرضاً لجمال الحركة والتوقيع تكريماً وإجلالاً للآلهة؛ ولم يحدث لراقصات المعبد أن يغادرن معابدهن زرافات ليمتعن أصحاب الدنيا وطلاب الشهوة الجسدية إلا في العصور الحديثة؛ لم تكن هذه الراقصات مجرد عرض للجسد، بل كانت في وجه من وجوهها محاكاة للكون في دوراته التوقيعية ومجرى التغير في ظواهره، وقد كان "شيفا" نفسه إله الرقص، ورقصة "شيفا" كانت ترمز لحركه العالم نفسها (١).
(١) لم يعرف الأوروبي والأمريكي رقصة الهند الدنيوية، في صورتها الأصلية التي خلت من كل الشوائب الدخيلة، والتي هي فن شانكارا، الذي تدل في كل حركة جسدية وكل حركة باليدين والأصابع والأعين، على معنى لطيف ودقيق يفهمه المتفرج الموهوب، كما تدل على رشاقة في التثنّي وعلى شعر جسدي محكم مما لا يعرفه الرقص الغربي، منذ دعتنا الديمقراطية إلى العودة إلى أفريقيا لنستمد منها الفنون.