وينتمي الموسيقيون والمنشدون والراقصون- كسائر أصحاب الفن في الهند- إلى أحط الطبقات؛ فقد يحلو للبرهمي أن يغني في خلوته، وأن يسّري عن نفسه بنغمات يعزفها على "الفينا" أو غيرها من ذوات الأوتار؛ بل قد يعلّم غيره التمثيل أو الغناء أو الرقص، لكنه يستحيل أن يفكر في التمثيل مأجوراً، أو في النفخ في آلة موسيقية، وكانت الحفلات الموسيقية العلنية - إلى عهد قريب- نادرة في الهند فكانت الموسيقى العلمانية إما غناء تلقائياً أو نشيداً جمعياً يقوم به الناس، وإما عزفاً أمام جماعات صغيرة في بيوت العِلْية، كما هي الحال فيما يعرف في أوروبا بموسيقى الحجرات؛ وكان لـ "أكبر"- الذي كان هو نفسه ماهراً في العزف الموسيقي- عدد كبير من الموسيقيين في بلاطه، وأصاب أحد مُغنيه- واسمه تانسِنْ- شهرة وثروة، ومات بالشراب وسنّه أربعة وثلاثون عاماً (١١)؛ ولم يكن ثمة هواة، بل كان كل المشتغلين بالعزف محترفين لفنهم، ولم تكن الموسيقى تُعلّم على أنها لون من ألوان التهذيب الاجتماعي، كلا ولا أرغم الأطفال على عزف بيتهوفن، فمهمة الشعب لم تكن أن يعزف الناس عزفاً رديئاً، بل أن يعرفوا كيف ينصتون إنصاتاً جيداً (١٢).
ذلك لأن الاستماع للموسيقى في الهند فن في ذاته ويتطلب تدريباً طويلاً للأذن والروح؛ وقد لا تكون الألفاظ نفسها مفهومة المعنى للغربي أكثر من ألفاظ المسرحيات الغنائية التي يشعر أن من واجبه الذي تمليه عليه طبقته الاجتماعية، أن يستمتع بها؛ وهي تدور - كشأنها في سائر أنحاء العالم - حول موضوعيّ الدين والحب؛ لكن الألفاظ قليلة الأهمية في الموسيقى الهندية، وكثيراً ما يستبدل بها المنشد - كما يفعل الأديب عندنا في أرقى ألوان الأدب- مقاطع لا تعني شيئاً؛ والسّلم الموسيقي عندهم ألطف مما هو عندنا وأدق، إذ يضيف إلى سُلّمنا ذي الاثنتي عشرة نغمة، عشر نغمات أخرى غاية في الدقة، وبذلك يصبح سُلّمهم مؤلفاً من اثنتين وعشرين "من أرباع النغمات"؛ وعلى