وسدودها التي يسهل التحكم فيها، ثغوراً يمكن الدفاع عنها، وتأوي إليها الأساطيل والأسلحة الأسبانية.
وفي ١٩ مايو وقعت عصبة آراسي مع بارما اتفاقاً، التزمت فيه بألا تقبل غير الكاثوليكية مذهباً، وارتضت بمقتضاه السيادة الأسبانية شريطة استعادة امتيازات المقاطعات والوحدات الإدارية الصغيرة (الكوميونات) وسرعان ما أعاد الدوق، بالإغراء أو الرشوة أو القوة، كل المقاطعات الجنوبية تقريباً إلى حضيرة أسبانيا، وتخلى الزعماء الكلفنيون في بروكسل وغنت وإيبر عن فتوحاتهم وولوا الأدبار إلى الشمال البروتستانتي. وفي ١٢ مارس ١٥٧٩ قاد بارما جيشاً كبيراً ضد ماسترخت الواقعة في موقع حصين على النهر المسمى باسمها. وأتى الفريقان كلاهما بالأعاجيب من أعمال البطولة وضروب الوحشية وحفر المهاجمون أميالاً من الممرات تحت الأرض ليبثوا الألغام ويفتحوا المدينة، كما حفر المدافعون-النساء والرجال جنباً إلى جنب-ممرات ليقابلوهم؛ ودارت رحى القتال حتى الموت في باطن الأرض. وصب الماء المغلي في الأنفاق، وأشعلت الحرائق لتملأها بالدخان. واحترق مئات المحاصرين المهاجرين أو اختنقوا حتى الموت. وانفجر أحد الألغام قبل أوانه فأودى بحياة خمسمائة من رجال بارما. وعندما حاول جنوده تسلق السور قابلتهم الجمرات المحترقة، وقذفت حول أعناقهم النار الملتهبة. وبعد أربعة أشهر من الجهد المضني والضراوة والعنف، أحدث المحاصرون ثغرة في السور، نفذوا منها خفية في الليل، وفاجأوا المدافعين المنهوكين وهم نيام وذبحوا منهم ستة آلاف من الرجال والأطفال والنساء ولم يبقَ من سكان المدينة البالغ عددهم ثلاثين ألفاً، على قيد الحياة آنذاك سوى أربعمائة. وعمرها بارما من بعدهم بالموالون الكاثوليك.
تلك كانت كارثة عظمى حلت بالبروتستانت. ووجه اللوم فيها بحق إلى حد ما، إلى وليم الذي حاول عبثاً إنقاذ المدينة، لعجزه وإبطائه. واتهمه