للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انفانت فرديناند أن مشهد منها هو "محاكمة باريس" أروع ما أبدعته يدا روبنز على الإطلاق (٥٦). وقد نوثر عليه "المهرجان (٥٧) " الصاخب الذي كان قد صوره في ١٦٣٦ - وهو مطاردة مسعورة، ليس فيها امرأة عجوز أو بدينة إلا اختطفها رجل ما.

أما صورته الشخصية في سن الستين (٥٨) فهي الوجه الآخر لخواتيم حياته رجل لا يزال مزهواً. يقبض بيده على سيف النبالة، ولكن التحول يعرو وجهه النحيل، ويتدلى جلده، وتحيط التجاعيد بعينه-وهو رسم أنيق أمين وفي ١٦٣٥ ألزمه داء النقرس الفراش شهراً. وفي ١٦٣٧ شل يده لفترة من الزمن، وفي ١٦٣٩ عاقه هذا الداء عن التوقيع باسمه. وفي ١٦٤٠ شلت كلتا يديه. وفي ٣٠ مايو ١٦٤٠، وقد بلغ الثالثة والستين، قضى نحبه متأثراً بالتهاب المفاصل وتصلب الشرايين.

لقد كانت حياة روبنز تدعو إلى الدهشة. أنه لم يكن النموذج الشامل للمثل الأعلى للنهضة الأوربية، ولكنه حقق طموحه في أن يلعب دور في الدولة وفي الرسم على حد سواء. ولم يكن فناناً شاملاً مثل ليونارد ميكل أنجيلو، فلم يخلف لنا نحتاً، ولم يصمم أي مبنى سوى داره. ولكنه في الرسم بلغ ذروة الامتياز في كل مجال. فإن الصور الدينية، والصخب الوثني والآلهة والإلهات، والعاريات والمكتسيات، والملوك والملكات، والأطفال والعجائز، والمناظر الطبيعية والمعارك-كانت كلها تنساب من فرشاته، وكأنها معين متعدد الموارد لا ينضب من اللون والشكل. ولقد وضع روبنز حداً لخضوع الرسم الفلمنكي للرسم الإيطالي، ولكن بدون الثورة أو التمرد، بل عن طريق الاستيعاب والاتحاد.

ولم يكن روبنز في مثل عمق رمبرانت، ولكن أوسع أفقاً لقد نفر من الأعماق الخفية التي كشف عنها رمبرانت، وآثر عليها الشمس والهواء الطلق، وتراقص الضوء، واللون، ومتعة الحياة وسحرها، وكافأ حظه السعيد